امرأة تقول أن حماتها كانت مريضة بالزهايمر فلم تستطع أن تتعايش معها بسبب الزهايمر، فقررت أن تتخلص منها، فتعمدت أن تدفعها من فوق السلم قاصدةً بذلك موتَها، وبالفعل ماتت حماتها. واﻵن تقول: ماذا أفعل وضميري يؤلمني؟ ولم يعلم أي أحد بهذا الأمر معتقدين أن المتوفاة سقطت وماتت بسبب المرض. نرجو الإفادة وجزاكم الله كل خير.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يزال العبدُ في فُسحة من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا، وقد أقدمت هذه المرأة على جريمةٍ بشعة تكاد السموات يتفطرن منها، حيث قتلت نفسًا ظلمًا وعدوانًا بغير حق، وخانت أمانةَ زوجها، فتنكرت لحَقِّه، وقتلت أُمَّه! ولا أدري كيف يطيب لها تنظر إلى وجهه؟! وكيف تُعاشره؟! وكيف تتمتع بما يبذله لها من متاع ونفقة وقد ارتكبت في حقه هذه الجريمة البشعة، وطعنته من خلفه هذه الطعنة الغادرة، وفجعته بأمه؟! فالله حسيبها.
يبقى بعد هذا أن للتوبة بابًا فتحه الله عز وجل، فلا يملك أحدٌ من البشر أن يُغلقه، وأنه لا يعظم ذنب على التوبة، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. وقال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} [الزمر: 53، 54].
وقتل المؤمن عمدًا يتعلق به ثلاثة حقوق: حقٌّ لله، وحقٌّ المقتول، وحقٌّ للولي، فإذا سلَّم القاتل نفسه طوعًا واختيارًا إلى الولي، ندمًا على ما فعل، وخوفًا من الله، وتوبةً نصوحًا: يسقط حقُّ الله بالتوبة، وحقُّ الولي بالاستيفاء أو الصلح، أو العفو.
وبقى حق المقتول يُعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب الـمُحسن ويصلح بينه وبينه، فلا يبطل حقُّ هذا، ولا تبطل توبة هذا. كما ذكر ذلك ابن القيم في كتابه «الجواب الكافي»(1).
أما إذا أخفى القاتل النادم جريمَتَه، أو أنكرها، ولم يُخبر أولياءَ المقتول، فقد بقي عليه حقُّ الأولياء وحقُّ القتيل، ومن شروط التوبة عند تعلق الذنب بالغير: ردُّ الحق إليه، أو التحلُّل منه، فيلزم القاتل أن يخبر أولياء المقتول ليعفوا، أو يقتَصُّوا، أو يطلبوا الدية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ»(2).
فإن ضعُف عن إخبار أولياء القتيل، فلم يبق إلا أن يُكثر الندمَ والبكاءَ على خطيئته، وأن يستكثر من الحسنات، وأن يستعدَّ لاستيفاء الحقوق يوم القيامة، وأمره إلى الله عز وجل. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________
(1) الجواب الكافي (102).
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «القصاص يوم القيامة» حديث (6534) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.