حلق اللحية

خطبت فتاة وأنا في بلدي قبل سفري إلى هنا وكنت حليق اللحية، وبعد وصولي إلى هنا ألهمني الله إطلاقها مع أنها ليست مطابقة للسنة تمامًا. جاءت خطيبتي منذ أيام إلى أمريكا، وعندما رأتني كذلك طلبت مني طلبًا وحيدًا هو أن أحلقها، رغم أنها متمسكة بالدين ولباسها شرعي وحتى أمور حياتها العادية تحرص على رأي الدين فيها. أرشدوني لما يمكن عمله أو قوله لها. أرشدكم الله إلى كل ما فيه الخير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن إعفاء اللحية من سنن الفطرة، ومن هدي الأنبياء والمرسلين، فقد قال صلى الله عليه وسلم  في الحديث الصَّحيح الذي رواه مسلم: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْـمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ…» إلى آخر الحديث(1). وقال صلى الله عليه وسلم : «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْـمَجُوسَ»(2). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية(3).
وهي بعد هذا من سمات الرجولة ودلائل القوة والفحولة؛ وقد قال تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 119]
وحلق اللِّحية من تغيير خَلْق الله فيكون من أوامر الشَّيطان، والحالق لها مُنفِّذ لأمر الشَّيطان ومستجيب لغوايته، وقال صلى الله عليه وسلم  فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى»(4)، وما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله رضي الله عنه : «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْـمَجُوسَ»، وما رواه الإمام أحمد في «مسنده» عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى»(5).
والأدلَّة على ذلك كثيرة، لا يُستثنى من ذلك إلا مَن تعرَّض لإكراهٍ، كمن يكونون في أعمالٍ تُفرض عليهم حلق اللِّحية كمن كان في الجيوش أو الشرطة التي تفرض قوانينها حلق اللِّحية، ويلحق بذلك من كان في المواضع التي يتعرَّض فيها أصحاب اللِّحَى لملاحقات أمنية ويتعرَّضون بسببها إلى إجراءات تعسفية كالفصل من أعمالهم أو سجنهم أو اعتقالهم ونحوه.
هذا وقد لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال(6).
ولا يخفى عليك كما لا يخفى على خطيبتك أنه إذا ورد الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  فليس للمسلم أمامه إلا الانقياد والإذعان، كما قال تعالى:﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]
وإن حقيقة التكليف إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لمولاه، و«لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لما جِئْتُ بِهِ»(7).
فالذي ننصح به لك أن تثبت على الحق، وألا تطيع أحدًا في معصية الله عز وجل ، كما ننصحك بالترفق بخطيبتك وأن تبين لها الأمور بهدوء وحب، وأن تجلب لها من الكتب ما تستيقن معه من أن إعفاء اللحية من شعائر الدين وأن حلقها معصية لسيد المرسلين وسيهديها الله إن شاء الله بإيمانها فقد ذكرت أنها امرأة صالحة، والصالح إذا ذكرته بالله تذكر وإذا خوفته بالله خاف.
ثم عليك بالدعاء خاصة في أوقات الإجابة ومن آكدها وقت السحر، فابتهل إلى الله أن يثبتك على الحق وأن يشرح له صدر خطيبتك وأن يجنبكما نزغ الشيطان؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (261) من حديث عائشة ل.

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (260) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (259).

(4) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «تقليم الأظفار» حديث (5892)، ومسلم في

(5) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/365) حديث (8764).

(6) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال» حديث (5885) من حديث ابن عباس ب.

(7) أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول في أحاديث الرسول» (4/164)، والديلمي في «مسند الفردوس» (5/153) حديث (7791)، وأبو طاهر الأصبهاني في «معجم السفر» (1/375) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، وذكره أبو العز الحنفي في «الاتباع» (1/78) وقال: «رواه أبو حاتم في صحيحه وذكره النووي في أربعين حديثًا وقال: رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة, 20 اللباس والزينة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend