قضاء المفطر ناسيا في نهار رمضان

سؤالي يا شيخ هو: إذا أكل الشَّخص في رمضان ناسيًا، ومن بعد رمضان أراد الشَّخص أن يُعيد ذلك اليوم لأنه يشعر كأن ذمَّتَه لم تبرأ: فهل هذا العمل جائز؟ أم يُعتبرمخالفًا لما قاله الرَّسول صلى الله عليه وسلم في مفهوم الحديث أن: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَقَدْ سَقَاهُ اللهُ»؟ يعني نفهم من الحديث أنه يَحرُم عليه إعادة اليوم إذا أكل ناسيًا ولو أنه يشعر أن ذمَّتَه لم تبرأ لأنه سيخالف رخصة الله؟ هل هذا صحيح؟ حتى قال بعض الإخوان: إنْ فعل ذلك كأنه لم يرض برخصة الله؟ نرجو من فضيلتكم تفصيلًا لهذه الحالة. وجزاكم اللهُ خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فقد ذهب الأئمَّة أبو حنيفةَ(1) والشَّافعيُّ(2) وأَحْمَدُ(3) إلى أنَّ الصَّائِمَ إذا أكلَ أَوْ شَرِبَ ناسيًا لم يفسد صومه وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، سواءٌ قَلَّ الأكلُ والشُّربُ أو كَثُرَ. وخالف في ذلك ربيعةُ ومالكٌ(4) فقالا بفساد صومه وأوجبوا عليه القضاء، والصَّحيح القَوْلُ الأوَّلُ، وَهُوَ الذي تَدُلُّ عليه نُصُوصٌ كثيرةٌ، منها:
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ». رواه البخاريُّ ومسلمٌ، ولَفْظُ مُسلم هو: ««مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَه، فَإِنَّما أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ»»(5).
وَحَمَلَ المالكيَّة(6) الحديثَ على صيام النفل، وفيه نظر؛ لأن قولَه صلى الله عليه وسلم : «صائم» نكرةٌ في سياق الشَّرط، فَتَعُمُّ كُلَّ صيامٍ، وأيضًا فإن الحديثَ في رواية عند ابن حِبَّان وابن خُزيمة والطبرانيِّ في «الأوسط» والدارَقُطني والبيهقيِّ والحاكم قدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ صيامُ رَمَضَانَ، قال صلى الله عليه وسلم : ««مَنْ أَفْطَرَ في شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»»(7). وفي لَفْظٍ: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ في رَمَضَانَ ناسيًا فلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارةَ»(8).
وعنه رضي الله تعالى عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله، إني أَكَلْتُ وَشَربت ناسيًا وأنا صائمٌ؟ فقال: «أَطْعَمَكَ اللهُ وَسَقَاكَ»(9).
فهذه النُّصوص تَدُلُّ دلالةً واضحةً على أَنَّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة، وصومُه صحيحٌ، سواءٌ كان فرضًا كَصَوْمِ رمضان، أَوْ كان تطوُّعًا، وهو الموافِقُ لقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 5]، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]. وقد ثَبَتَ في الصَّحيح أنَّ اللهَ أجاب هذا الدُّعاء(10).
وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْـخَطَأَ وَالنِّسْيانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»(11).
وخيرٌ لك أيُّها الحبيب أن تقبل رخصة الله عز وجل  وألا يكون في صدرك حرج منها. ونَسْألُ اللهَ لنا ولك التَّوفيق، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) جاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (1/322-325): «قال رحمه الله (فإن أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسيا أو احتلم أو أنزل بنظر أو ادهن أو احتجم أو اكتحل أو قبل أو دخل حلقه غبار أو ذباب وهو ذاكر لصومه أو أكل ما بين أسنانه أو قاء وعاد لم يفطر)».

(2) جاء في «الأم» للشافعي (7/70): «(قال الشافعي رحمه الله تعالى): ويفسد صوم التطوع وصوم رمضان وصوم الكفارة والنذر ما أفسد الصوم ولا خلاف بين ذلك، فمن أكل فيها، أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه».

(3) جاء في «العدة شرح العمدة» من كتب الحنابلة (1/168): «وإن فعل شيئا من هذا ناسيا لم يفسد صومه) لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه. متفق عليه».

(4) جاء في «المنتقى» من كتب المالكية (2/65): «قال مالك: من أكل أو شرب في رمضان ساهيا أو ناسيا أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه)».

(5) متفق عليه.

(6) جاء في «المنتقى» من كتب المالكية (2/65): «(مسألة): فأما إذا أفطر بنسيان فإنه يفسد صومه ويكون عليه قضاؤه».
وجاء في «البيان والتحصيل» من كتب المالكية (2/317-318): «قال: إني لأستحب أن يقضي من أكل ناسيا في تطوع، وما أراه عليه بواجب، مثل من أكل في رمضان، وإني لأستحب ذلك».

(7) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1/595) حديث (1569)، وابن حبان في «صحيحه» (8/287) حديث (3521)، والبيهقي في «الكبرى» (4/229) حديث (7863)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم».

(8) أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (3/239) حديث (1990)، والدارقطني في «سننه» (2/179) حديث (31) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(9) أخرجه أبو داود في كتاب «الصوم» باب «من أكل ناسيًا» حديث (2398).

(10) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أنه صلى الله عليه وسلم  لم يكلف إلا ما يطاق» حديث (126) من حديث ابن عباس ب.

(11) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (2/216) حديث (2801)، وابن حبان في «صحيحه» (16/202) حديث (7219)، والبيهقي في «الكبرى» (7/356) حديث (14871)، من حديث عبد الله بن عباس ب، بلفظ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْـخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وقال البيهقي: «جود إسناده بِشر بن بكر وهو من الثقات».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 الصيام

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend