حول التَّعارض بين الأحاديث في وقت الإمساك للصيام

حول التَّعارض بين الأحاديث في وقت الإمساك للصيام

السؤال:

شيخنا الفاضل أثابكم الله. السؤال بخصوص وقت الإمساك للصيام  وتناول المفطرات للصائم بعد أذان الفجر الصادق.

وردت آثار عن بعض السلف ذكرها الحافظُ في «الفتح» تدور معانيها على إباحة الأكل والشرب بعد الأذان

بل إلى انتشار الضياء كما في بعضها، وأخذ بها بعض الشباب، ولا شك أن ثَمَّ معارضة بين تلك الآثار وبين النصوص

القطعية كقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يؤَذِّنَ ابْنُ أمِّ مَكْتُوم»(1).

شيخنا الفاضل ما هو وجه الإجابة على تلك الآثار أو توفيقها مع النصوص القطعية القاضية بخلافها. جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فمن المعلوم أن وقتَ الصيام يبدأ من طلوع الفجر الصادق إلى مغيب الشمس، لقول الله سبحانه:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

وأن مَن سمع الأذان الثاني فيتعيَّن عليه الإمساكُ إذا علم أن المؤذنَ يؤذن على الوقت، أما إذا علم أن المؤذن يؤذن

قبل الوقت لخطأٍ في حساب المواقيت فلا حرج عليه أن يأكل ويشرب، لأن الليل لا يزال ممتدًّا،

أما إذا شَكَّ فالاحتياط أن يُمسك استبراءً لدينه واحتياطًا لصومه.

وأما الآثارُ الواردة في الترخُّص في الأكل والشُّرب بعد الأذان أو في أثنائه فمحمولةٌ على أنَّ المنادِيَ

كان يُنادي قبل طلوع الفجر؛ بحيثُ يقع شربُه قُبيل طلوع الفجر، أو على من شكَّ في طلوع الفجر،

فقد قال الإمام البيهقي: «وهذا إن صحَّ فهو محمولٌ عند عوامِّ أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم

علم أن المناديَ كان يُنادى قبلَ طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر»(1).

وقال الإمامُ النوويُّ: «ذكرنا أنَّ من طلع الفجر وفي فيه طعامٌ فلْيلفظه ويتمَّ صومُه، فإن ابتلعه بعدَ علمِه بالفجر بطل صومُه،

وهذا لا خلاف فيه، ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إِنَّ بِلَالًا يؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»(2). وفي الصحيح أحاديث بمعناه.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الأَذَانَ وَالإِنَاءُ

على يَدِهِ فَلاَ يَدَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ»(3). وفي رواية: «وَكَانَ الْـمُؤَذِّنُ يؤَذِّنُ إذا بَزَغَ الْفَجْرُ»(4)،

فروى الحاكم أبو عبد الله الروايةَ الأولى وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم». ورواهما البيهقيُّ(5) ثم قال:

وهذا إن صحَّ محمولٌ عند عوامِّ أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علِمَ أنه ينادى قبل طلوع الفجر

بحيث يقعُ شربُه قُبيل طلوع الفجر… قال: وقوله «إذا بزغ». يحتمل أن يكون من كلامٍ من دون أبي هريرة،

أو يكون خبرًا عن الأذان الثاني ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الأَذَانَ وَالإِنَاءُ على يَدِهِ»

خبرًا عن النداء الأول ليكون موافقًا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما..

قال: وعلى هذا تتفق الأخبارُ وبالله التوفيق والله أعلم»( 6).

وقال العلامَّة علي القاري: «قوله صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ». هذا إذا علم أو ظنَّ عدَمَ الطلوع.

وقال ابن الملك: هذا إذا لم يعلم طلوعَ الصُّبح، أما إذا علم أنه قد طلَع أو شكَّ فيه فلا»(7).

والظَّنِّيُّ يفهم في ضوء القطعي، فإذا ورد ما يخالف النصوصَ القطعيَّة الواردة في الامتناع عن المفطرات

بطلوعِ الفجر الصادق فإنه يفهم في ضوء القطعيِّ الذي عليه جماهير أهل العلم، ويقدَّم القطعي على الظنِّيِّ.

قال العلامة ابن القيم: «وذهب الجمهور إلى امتناع السحور بطلوع الفجر، وهو قول الأئمة الأربعة, وعامة فقهاء الأمصار,

وروي معناه عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم»(8).

والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) «السنن الكبرى للبيهقي» (4/218).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «أذان الأعمى إذا كان له من يخبره» حديث (617)، ومسلم في كتاب «الصيام» باب «بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر» حديث (1092)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(3) أخرجه أبو داود في كتاب «الصوم» باب «في الرجل يسمع النداء والإناء في يده» حديث (2350)، والحاكم في «مستدركه» (1/588) حديث (1552)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».

(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/510) حديث (10638).

(5) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (4/218) حديث (7810).

(6) «المجموع» (6/319).

(7) «مرقاة المفاتيح» (4/481).

(8) «شرح ابن القيم على سنن أبي داود» (6/341).

 

يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الصيام الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي.

كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 الصيام

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend