أنا شابٌّ كثير الحلف والعياذ بالله، وقد قرَّرت وعزمت البُعد عن هذه الخصلة المشينة، وقرَّرت أن أصوم تكفيرًا لما حلفتُ وحنثت، وقرَّرتُ أن أصوم يوم الإثنين والخميس حتى رمضان إن شاء الله، وقد بدأت من يوم أمس، وها هو الخميس قادم حيث يكون الثاني عشر من رجب، والجمعة والسبت والأحد الأيَّام البيض من رجب، فعزمت الصِّيام، فهل يجوز لي أن أجمع نيَّتين: بمعنى أن أصوم هذه الأيَّام، الأيَّام البيض بنيَّة التَّكْفير وأيضًا نِيَّة الأيَّام البيض؟ وفَّقكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن النِّيَّات تجارةُ العلماء، فافعل ولا حرج، على أن يكونَ المقصودُ الأصليُّ هو نِيَّة التَّكْفير، ويأتي تبعًا لذلك نِيَّةُ صيام النَّافلة، ومن الأدلَّة على ذلك قولُه عليه الصَّلاة والسَّلام: ««إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»»(1).
ومما يدلُّ على مشروعيَّة جَمْع النِّيَّات كذلك قولُه صلى الله عليه وسلم : ««الْغَزْوُ غَزْوَانِ: فَأَمَّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ الله وَأَطَاعَ الْإِمَامَ وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ؛ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبَهَهُ أَجْرٌ كُلَّهُ، وَأَمَّا مَنْ غَزَا رِيَاءً وَسُمْعَةً وَعَصَى الْإِمَامَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْكَفَافِ»». رواه الإمام أحمد وأبو داود والنَّسائي(2). فإن هذه الأعمال من غزوٍ وطاعةٍ وإنفاقٍ ومياسرة واجتنابٍ للفساد ونوم وانتباهٍ تجمعها نِيَّةٌ واحدة.
نسأل اللهَ أن يُلهمك رشدك، وأن يرزقك الوفاءَ بعزمك على ألا تكون حلَّافًا؛ فإن كثرة الحلف من الخصال المذمومة. ونسأل اللهَ لنا ولكم التَّوفيق. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «بدء الوحي» باب «بدء الوحي» حديث (1)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «قوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنية» حديث (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/234) حديث (22095)، وأبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في من يغزو ويلتمس الدنيا» حديث (2515)، والنسائي في كتاب «الجهاد» باب «فضل الصدقة في سبيل الله » حديث (3188) من حديث معاذ بن جبل . وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1990).