الصيام في ولاية ألاسكا وطول النهار عشرون ساعة

الصيام في ولاية ألاسكا وطول النهار عشرون ساعة

السؤال:

ما حكم الصيام في ولاية ألاسكا وطول النهار عشرون ساعة؛ حيث إن الشمس تغرب الساعة ١١:٢٠ والفجر الساعة ٣:٣٠؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فإذا تَمايَزَ الليلُ والنهار في ظرف أربع وعشرين ساعة، فلا بديل عن الرجوع إلى المواقيت الشرعية،

والعلامات الدَّالة عليها شرعًا، فيكون الفطرُ إذا غابت الشمس، ويكون الإمساكُ إذا طلع الفجر الصادق.

ومن لم يتمكَّن من ذلك وأخبره طبيبٌ ثقة أو عَرف بالتجرِبة من نفسه أن صومَه في هذه الظروف سيُحدث له مرضًا أو يزيد في مرضٍ قائم،

أو يؤخر شفاءه منه- كان له أن يترخَّص بالفطر، ويقضي عدةً من أيام أُخر عندما يعتدلُ الليل والنهار.

أما القول بالعمل بالتقدير بناءً على مكة المكرمة أو بناء على أقرب بلد إليهم فليس هذا محلَّه،

ما دام الليل والنهار قد تمايزا على النحو الوارد في السؤال،

وأسوق لك نصَّ قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في هذا الصدد، وفيه تجدُ ضالتك إن شاء الله:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402هـ = المصادف 4/2/1982م،

على قرار ندوة بروكسل 1400هـ/1980م، وقرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (16) في 21/4/1398هـ،

فيما يتعلق بمواقيت الصلاة والصوم، في الأقطار التي يقصُر فيها الليل جدًّا في فترة من السنة، ويقصر النهار جدًّا في فترة،

أو التي يستمرُّ ظهور الشمس فيها ستَّة أشهر وغيابها ستة أشهر.

وبعد مدارسة ما كتبه الفقهاء قديمًا وحديثًا في الموضوع قرر ما يلي:

تنقسم الجهاتُ التي تقع على خطوط العرض ذات الدرجات العالية إلى ثلاث:

الأولى: تلك التي يستمرُّ فيها الليلُ أو النهار أربعًا وعشرين ساعة فأكثر بحسب اختلاف فصول السنة؛

ففي هذه الحال، تقدَّر مواقيت الصلاة والصيام وغيرهما في تلك الجهات، على حسب أقربِ الجهات إليها،

مما يكون فيها ليلٌ ونهار متمايزان في ظرف أربع وعشرين ساعة.

الثانية: البلاد التي لا يغيب فيها شفقُ الغروب حتى يطلع الفجر؛ بحيث لا يتميز شفقُ الشروق من شفق الغروب،

ففي هذه الجهات يقدَّر وقتُ العشاء الآخرة والإمساك في الصوم، ووقت صلاة الفجر، بحسب آخرِ فترة يتمايز فيها الشفقان.

الثالثة: تلك التي يظهر فيها الليل والنهار خلالَ أربعٍ وعشرين ساعة، وتتمايز فيها الأوقات،

إلا أن الليل يطول فيها في فترة من السنة طولًا مُفرطًا، ويطول النهار في فترة أخرى طولًا مفرطًا،

ومن كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدًّا في الصيف،

ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا، لعموم قوله تعالى:

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]. ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه،

عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ».

يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالًا فأذَّنَ، ثم أمرَهُ فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعةٌ بيضاءُ نقية،

ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجرَ حين طلع الفجرُ،

فلما أن كان اليوم الثاني، أمره فأبرد بالظُّهر فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها،

وصلى العصر والشمسُ مرتفعة آخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق،

وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟».

فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: «وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ»(1).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ،

وَوَقْتُ صَلَاةِ الْـمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ،

وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ؛

فَإِنَّهَا تَطلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ»(2).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس، قولًا وفعلًا، ولم تفرق بين طول النهار وقصره،

وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزةً بالعلامات التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتِهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهرَ رمضان،

فعلى المكلَّفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادِهِم،

مادام النهار يتمايز في بلادهم من الليلِ، وكان مجموع زمانهما أربعًا وعشرين ساعة،

ويحلُّ لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيرًا فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد،

وقد قال الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾

[البقرة: 187].

ومن عجز عن إتمام صوم يومٍ لطولِهِ، أو علم بالأمارات أو التجرِبَة،

أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلَبَ على ظنِّهِ أن الصوم يفضي إلى مرضه مرضًا شديدًا،

أو يفضي إلى زيادة مرضه، أو بطء برْئه- أفطَرَ، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكَّن فيه من القضاء.

قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185].

وقال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]. وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

والله وليُّ التوفيق، وصلى الله على خيرِ خلقه سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «أوقات الصلوات الخمس» حديث (613).

(2) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «أوقات الصلاة الخمس» حديث (612)

يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الصيام الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي.

كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 الصيام

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend