مدة السفر التي تقصر فيها الصلاة وتجمع

السلام عليكم علماءنا الأفاضل.

أرجو من حضراتكم توضيح المدة التي يمكن أن أترخص فيها برخص السفر، فلقد قرأت فتاوى ظاهرها الاضطراب ولا أظن نفسي إلا واهمًا، والخلاصة: هل القصر مثلًا إذا كان السفر أكثر من أربعة أيام أم أربعة فأكثر أم أقل من أربعة أيام أعني ثلاثة أيام فقط؟ أم أنه على قول ابن تيمية وابن عثيمين رحمهم الله تعالى: أن أحكام السفر لا تزال منسحبة ليس لها توقيت ما لم ينوِ الاستيطانَ والإقامة المطلقة؟
ولقد رأيت والدة صديق تقصر وهي لها غرفة خاصة وتسكن مع ولدها وحدهما في شقة، ولها- أي الأم- غرفتها الخاصة منذ أكثر من شهرين، وهي تقصر وهي معززة مكرمة من قبل ولدها، وتقول: أنا مسافرة. فحارت زوجتي في أمرها وظنت أني أخطأت تعليمها أحكام السفر، فلما راجعت مصادري التبست عليَّ المدة، صدق والله شيخنا الصاوي: من كان شيخه كتابه كثر خطؤه عن صوابه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهذه المسألة من مسائل النظر بين أهل العلم، وجمهورهم(1) على أن من نوى الإقامة أربعة أيام فصاعدًا سقط عنه حكم السفر، ولا يحق له الترخص بالقصر أو الجمع، ولا يحتسب من هذه الأيام الأربعة يوم القدوم ويوم السفر، وذلك لحديث ابن الحضرمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم  جعل للمهاجر أن يُقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا ثم يصدر(2).
قال القرطبي: «ومعلوم أن الهجرة إذا كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم  للمهاجر ثلاثة أيام لتقضية حوائجه وتهيئة أسبابه، ولم يحكم لها بحكم المقام ولا في حيز الإقامة، وأبقى عليه حكم المسافر، ومنعه من مقام الرابع، فحَكَم له بحكم الحاضر القاطن، وكان ذلك أصلًا معتمدًا عليه»(3). اهـ.
والنبي صلى الله عليه وسلم  دخل مكة في حجة الوداع صبح رابعة من ذي الحجة، وخرج منها إلى مِنًى صبح ثامنة، وكان يقصر الصلاة خلال تلك المدة.
أما من نوى الإقامة أكثر من ذلك فإن الواجب عليه الإتمام بمجرد وصوله إلى البلد التي يريد، وتمتد هذه المدة عند الأحناف(4) إلى أسبوعين، وعند غيرهم تمتد مطلقًا ما لم ينوِ الاستيطان أو الإقامة المطلقة، والاحتياط قول الجمهور.
أما إذا لم ينو الإقامة ابتداء بل كان مرتبطًا بأمرٍ متى قُضي رحل، ولا يدري متى يُقضى، فإنه لا يزال مسافرًا، ويحل له التمتع برخص السفر قصرًا وجمعًا، وعليه يُحمل ما رُوي من أنه صلى الله عليه وسلم  أقام بها في غزوة الفتح تسعة عشر يومًا(5)، وأقام بتبوك عشرين يومًا وكان يقصر الصلاة مع تفاوت هذه المدد(6). والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (4/238-243): «قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصحَابُ: إن نَوَى إقَامَةَ أَربَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا وَانقَطَعَت الرُّخَصُ».
وجاء في «الكافي في فقه الإمام أحمد» لابن قدامة، من كتب الحنابلة (1/310): «إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم».
وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة (2/212-213): «إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر. وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي ثور، وهو المشهور عن أحمد».
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه» حديث (3933)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة ثلاثة أيام بلا زيادة» حديث (1352).
(3) «تفسير القرطبي» (5/357).
(4) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (1/236): «(وَأَقَلُّ مُدَّةِ الإِقَامَةِ خَمسَةَ عَشَرَ يَومًا)».
وجاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (1/97-101): «وَأَمَّا مُدَّةُ الإِقَامَةِ: فَأَقَلُّهَا خَمسَةَ عَشَرَ يَومًا عِندَنَا».
(5) أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «مقام النبي صلى الله عليه وسلم  بمكة» حديث (4300) من حديث ابن عباس ب قال: أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم  في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة.
(6) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «إذا أقام بأرض العدو يقصر» حديث (1235) من حديث جابر بن عبد الله ب قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم  بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة. وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1235).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend