قنوت الفجر

هل قراءة دعاء القنوت كاملًا في صلاة الفجر بدعة؟ وإذا لم يكن كذلك فما حكمه؟ جزاكم اللهُ خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم القنوت في صلاة الفجر على أربعة أقوال:
فمنهم من قال: إنه مستحب. وهو قول الإمام الشافعي(1) والمالكية(2) في المشهور عندهم؛ لحديث البراء بن عازب: أن رسول الله عز وجل  كان يقنت في الصبح والمغرب(3). قالوا: فنسخ القنوت في المغرب وبقي في الفجر، كما في «صحيح مسلم»(4). ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا(5).
ومنهم من قال: إن القنوت يكون عند النوازل فقط؛ لحديث أنس t: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان ويقول: «عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ»(6). وهو مذهب الحنابلة(7).
ومنهم من قال- وهو معزو إلى الأحناف(8): إنه بدعة؛ لحديث: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ(9).
القول الرابع، وهو قول ابن حزم حيث يقول: فِعله حسن، وتركه حسن؛ لأن الرسول قنت وترك(10).
فلا ينبغي التثريب على المخالفين في هذه القضية، ومسائل الاجتهاد الأمر فيها واسع، من ظهر له رجحان أحد القولين عمل به ولم ينكر على من ظهر له رجحان القول الآخر.
قال ابن القيم: بعد انتصاره للقول بأن الأولى ترك المداومة على القنوت في الفجر: «فأهلُ الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعدُ بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنتون حيث قنت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ويتركونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه، ويقولون: فِعله سنة، وتركُه سنة. ومع هذا فلا يُنكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعِلَه مخالفًا للسنة، كما لا يُنكِرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تارِكَه مخالفًا للسنة، بل من قنت فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن»(11). والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــ

(1) جاء في «الأم» (7/263): «قال الشافعي): أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أظنه عن أبيه أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته».
(2) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (2/114-115): «وقال مالك، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح ، والشافعي: يسن القنوت في صلاة الصبح، في جميع الزمان».
(3) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة» حديث (678).
(4) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة» حديث (677) عن أيوب، عن محمد قال: قلت لأنس: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  في صلاة الصبح؟ قال: نعم بعد الركوع يسيرًا.
(5) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/162) حديث (12679) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «السلسلة الضعيفة» حديث (1238) وقال: «منكر».
(6) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «غزوة الرجيع ورعل وذكوان» حديث (4094)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة» حديث (677)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
(7) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (2/114-115): «فصل: فإن نزل بالمسلمين نازلة، فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح نص عليه أحمد قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن القنوت في الفجر؟ فقال: إذا نزل بالمسلمين نازلة، قنت الإمام وأمن من خلفه».
(8) جاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (1/170-171): «قال ابن عمر: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم يقنتوا. وقال ابن عباس القنوت في صلاة الفجر بدعة وروي في الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قنت شهرا أو أربعين يوما يدعو على قوم فأنزل الله تعالى معاتبا له ﴿ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون﴾ فترك، ولم يثبت عند الثقات أكثر من شهر».
وجاء في «العناية شرح الهداية» من كتب الحنفية (1/430-436): «فإن قنت الإمام في صلاة الفجر يسكت من خلفه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. لأنه تبع لإمامه، والقنوت مجتهد فيه. ولهما أنه منسوخ ولا متابعة فيه».
(9)أخرجه أحمد في «مسنده» (3/472) حديث (15920)، والترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في ترك القنوت» حديث (402)، من حديث طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه . وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (402).
(10) جاء في «المحلى» من كتب الظاهرية (3/54-64): «مسألة: والقنوت فعل حسن، بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض – الصبح وغير الصبح، وفي الوتر، فمن تركه فلا شيء عليه في ذلك………وصح عن جميعهم أنهم قنتوا، وكل ذلك صحيح، قنتوا وتركوا، فكلا الأمرين مباح، والقنوت ذكر لله تعالى، ففعله حسن، وتركه مباح، وليس فرضا، ولكنه فضل».
(11) «زاد المعاد» (1/275).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend