قضاء السنن الرواتب

أنا أم لطفلين سنهما متقارب، وعندما يحين موعد الصلاة لا أستطيع أن أصليها إلا إذا ناموا أو ابتعدوا عني؛ لذلك أصلي الفرائض ولا أصلي السنن إلا سنة الفجر، فهل يمكن أن أصلي سنة الظهر والمغرب والعشاء بعد صلاة العشاء؟ أرجو الإفادة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن قضاء تلك النوافل بعد وقتها المحدَّد لها قد اختلف أهل العلم فيه؛ فذهب أبو حنيفة ومالك والحنابلة(1) في أحد الأقوال عندهم إلى أنها لا تقضى إذا فات وقتها‏‎،‎‏ وفوات وقتها بخروج وقت ‏فريضتها، والمشهور عن مالك(2) القول بقضاء راتبة الفجر خاصة بعد طلوع الشمس.
‏وذهب أحمد(3) إلى جواز ذلك في سنة الظهر البعدية، وبه قال ابن عمر وعطاء وطاوس والقاسم بن محمد والشافعي في الجديد(4)، ومن أهل العلم من فرَّق بين من تركها لعذر، ومن تركها لغير عذر.
ومنهم من فرَّق بين النوافل المؤقتة كالعيدين والضحى والرواتب التابعة للفرائض، والنوافل غير المؤقتة كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد، فأجاز قضاء الأولى ومنعه في الثانية، ويبدو لي أن هذا القول أسعد بالأدلة، ومن أدلته:
• حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ لَـمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ»(5).
•حديث أم سلمة في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم  قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد صلاة العصر لـمَّا شغله ناس من بني عبد القيس(6).
• حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان إذا لم يصلِّ أربعًا قبل الظهر صلاهن بعده(7).
• حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ»(8).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيميَّة‏:‏ هل تُقضى السُّنَن الرَّواتب‏؟‏ فأجاب‏:‏ «أما إذا فاتت السُّنَّة الراتبة مثل سنة الظُّهر فهل تقضى بعد العصر‏؟‏ على قولين هما روايتان عن أحمد‏: ‏أحدهما‏:‏ لا تُقضى، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك‏. ‏والثَّاني‏:‏ تُقضى، وهو قول الشَّافعي، وهو أقوى‏.‏ والله أعلم»(9).
قال ابن قدامة: «وأما قضاء السنة الراتبة بعد العصر فالصحيح جوازه؛ لأن النبي صلى الله عليه ‏وسلم فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر»(10). اهـ.
وترجم البخاري بابًا بقوله: «باب ما ‏يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها».
وقال ابن حجر في «الفتح»: «قال الزين بن المنير: ‏ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها. وقال أيضًا: إن السر في قوله: ‏ونحوها ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها»(11) اهـ.
وأما حديث أم سلمة الذي رواه أحمد وفيه‏: فقلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: «لَا»(12). فهذه الزيادة ضعَّفها البيهقي وابن ‏حجر.
والذي يظهر هو القول باستحباب قضاءِ السنن الرواتب إذا فاتت على الصحيح من أقوال أهل العلم، لحديث أم سلمة ل، ولما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما نام عن صلاة الفجرِ ولم يستيقظ إلَّا بعد طلوع الشمس صلَّى سنة الفجر أولًا، ثم صلى بعدها الفجر(13).
يقول الإمام النووي: «الصحيحُ عندنا استحبابُ قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد والمزني وأحمد في رواية عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما: لا يقضي، دليلنا هذه الأحاديث الصحيحة»(14). انتهى.
ويقول المرداوي الحنبلي: قوله: «ومن فاته شيء من هذه السنن سُنَّ له قضاؤها» هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب. ونصره المجدُ في «شرحه»، واختاره الشيخ تقيُّ الدين- يعني ابن تيمية. انتهى باختصار(15).
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: قضاءُ السنة الراتبة سُنَّةٌ إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سُنَّة الفجر أولًا، ثم صلى بعدها الفجر.
وصفوة القول أنه قد ورد الدليل بالقضاء، ولكن ننصحك بالاجتهاد في الإتيان بهذه السنن في مواقيتها خروجًا من الخلاف. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــ

(1) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/530-533): «قال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهم لا تقضي النوافل».
(2) جاء في «المدونة» من كتب المالكية (1/211): «وسألنا مالكا عن الرجل يدخل المسجد بعد طلوع الصبح ولم يركع ركعتي الفجر فتقام الصلاة أيركعهما؟ فقال: لا وليدخل في الصلاة، فإذا طلعت الشمس فإن أحب أن يركعهما فعل».
وجاء في «التاج والإكليل» من كتب المالكية (2/58-60): «وقال ابن عرفة: يمنع النفل غير ركعتي الفجر بطلوعه حتى ترتفع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب».
(3) جاء في «الفتاوى الكبرى» من كتب الحنابلة (2/259): «إذا فاتت السنة الراتبة مثل سنة الظهر فهل تقضى بعد العصر؟ على قولين هما روايتان عن أحمد: أحدهما: لا تقضى، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك. والثاني: تقضى، وهو قول الشافعي، وهو أقوى».
(4) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/530-533): «قال أصحابنا: النوافل قسمان (أحدهما) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد، فهذا إذا فات لا يقضى (الثاني) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها فهذه فيها ثلاثة أقوال الصحيح منها أنها يستحب قضاؤها………………..إلخ».
(5) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس» حديث (423). وقال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد روي عن ابن عمر أنه فعله، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2361)، و«صحيح سنن الترمذي» (423).
(6) ففي الحديث المتفق عليه: الذي أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع» حديث (1233)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي ﷺ » حديث (834)، من حديث أم سلمة ل، وفيه: «إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ».
(7) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» حديث (426)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «من فاتته الأربع قبل الظهر» حديث (1158). وقال الترمذي: «حديث حسن».
(8) أخرجه أبوداود في كتاب «الصلاة» باب «في الدعاء بعد الوتر» حديث (1431)، والترمذي في كتاب «الوتر» باب «ما جاء في الرجل ينام عن الوتر» حديث (465)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء في من نام عن الوتر أو نسيه» حديث (1188). وصححه الشيخ الألباني في الإرواء (422).
(9) «مجموع الفتاوى» (23/127).
(10) «المغني» (1/794).
(11) «فتح الباري» (2/375).
(12) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/315) حديث (26720).
(13) أخرجه ابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر» حديث (1155)، وابن حبان في «صحيحه» (6/377) حديث (2652)، من حديث أبي هريرة t، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (1/139) وقال: «هذا إسناد رجاله ثقات».
(14) «المجموع» (4/43).
(15) «الإنصاف» (2/178).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend