تعدد صلاة الجمعة في المسجد الواحد

بحكم إقامتي في ديار الغرب، وتواجد جالية مسلمة كبيرة في بعض المناطق مع قلة المساجد التي تغطي هذه الكثافة. شاهدت عند انتهاء الصلاة الأولى في المسجد الذي أصلي فيه طوابير ضخمة محيطة بالمسجد، تنتظر الدخول إلى المسجد، وبالفعل دخلوا وصلوا الجمعة للمرة الثانية، ثم حدث نفس المشهد حيث لم يستوعب المسجد- الذي يسع قرابة ألف مصل- وصليت الجمعة للمرة الثالثة!! وبالمناسبة فالكثير من المساجد تصلى فيها الجمعة مرتين نظرًا لاعتبارات كثيرة، من بينها أن هناك ساعة الغداء للعاملين تستغل لأداء الصلاة، ولا يستطيعون الخروج من العمل- غالبًا- إلا في تلك الساعة، في حين أن صلاة الجمعة تكون قد صليت قبل ذلك، لاسيما في وقت الشتاء عندما يقصر الوقت وتتداخل الأوقات بشكل كبير. فما رأيكم في هذه المسألة؟ وأرجو لو أمكن سرد أقوال المذاهب الأربعة، لاسيما الأحناف والشافعية(1). وبارك الله فيكم.

ــــــــــــــــــــــ
([1]) جاء في «الفتاوى الفقهية» من كتب الشافعية (1/250-251): «من المعلوم المقرر أن الجمعة لا يجوز تعددها عند الشافعي رضي الله عنه وعند كثيرين من العلماء إلا إن احتيج بأن لم يكن في البلد محل يسع أهلها فحينئذ يجوز التعدد بقدر الحاجة فقط وأنه لا يشترط لإقامتها المسجد بل متى كان في البلد محل يسع أهلها ولو غير مسجد وجبت إقامة الجمعة فيه وأنه إذا وقع تعدد غير محتاج إليه كانت الجمعة الصحيحة هي السابقة».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الأصل في الجمعة عدمُ التعدد في المحلة الواحدة، فضلًا عن المسجد الواحد، إذ المقصود بالجمعة اجتماع المؤمنين كلهم، وموعظتهم، وأكمل وجوه ذلك أن يكون في مكان واحد لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم، ولهذا كان الأصل ألا تتعدد الجمع إلا لعذر شرعي، كبعد مسافة على بعض من تجب عليهم، أو لضيق المسجد الأول الذي تقام فيه عن استيعاب جميع المصلين، أو نحو ذلك مما يصلح مسوغًا لإقامة الجمعة.
ولما كانت الحاجة في الغرب ماسة إلى مثل هذا التعدد في كثير من الأماكن، وكان اعتبار الحاجات أمرًا مقررًا في الجملة عند علماء المذاهب المتبوعة جميعًا أمكن القول بأن هذا التعدد عندما تدعو الضرورة إليه مما تتسع له أصول المذاهب جميعًا، ولكن تطبيق ذلك قد يغشاه كثير من الخلل؛ فقد يكون التعدد لمجرد الترفه والتنعم، أو لاعتبارات قطرية، أو حزبية، وليس لتلبية ضرورة، ولا حاجة معتبرة، ولا يسعنا في هذا المقام إلا التذكير الدائم بأن الأصل هو عدم التعدد، لاسيما في المسجد الواحد، إلا عند وجود المسوغ الشرعي لذلك من ضرورة، أو حاجة ماسة، ثم ننصح بالمبادرة إلى الجمعة الأولى؛ لأنها هي التي اتفقت المذاهب جميعًا على اعتبارها، وننصح أن يأتمر الناس في ذلك بالمعروف، وألا يدعوا فرجة يتسلل الشيطان من خلالها للتحريش فيما بينهم، ونسأل الله التوفيق للجميع. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend