انحراف القبلة في المسجد

إني أصلي في مسجدٍ ثبت من خلال الأدلة العلمية والأجهزة المتطورة أن في القبلة به انحرافًا، وهي غير دقيقة.

وخوفًا على سجاد المسجد وتمزُّقه في حالة تغيير القبلة، فإن أهل المسجد تركوها كما هي.
وعند الانتهاء من صلاة الفرض، أرى من إخواني من ينحرف عن القبلة لجهة اليسار؛ ليصيب القبلة الصحيحة، والقسم الآخر من المصلين لا ينحرف استجابة لجماعة المسجد وأكثريتهم. فما رأيك بهذا الفعل؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أنه متى قامت عندكم الأدلة العلمية أو الأمارات والقرائن على أن عين الكَعبة في اتجاهٍ ما- لزمكم العمل بذلك.
أما القول في مسألتك فإنه يتفرع عن القول في درجة هذا الانحراف؛ فإن كان الانحراف يسيرًا فإنه لا يضُر؛ إذ اليسير مُغتَفر، فـ«مَا بَيْنَ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»(1).
وقد جاء في «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية: «ومعلومٌ أن من كان بالمدينة والشام ونحوهما إذا جعلَ المشرق عن يساره والمغربَ عن يمينه فهو مُستقبِلٌ للكعبة ببدنه؛ بحيث يمكن أن يخرج من وجهه خطٌّ مستقيمٌ إلى الكعبة ومن صدره وبطنه؛ لكن قد لا يكون ذلك الخط من وسط وجهه وصدره. فعُلم أن الاستقبال بالوجه أعم من أن يختص بوسطه فقط. والله أعلم»(2). اهـ.
ومراده والله أعلم أن من كان بالشام واستقبل القبلة ببدنِه فقد يستقبلها بدون انحراف، وهذا فيما لو فرض خروج خطٌّ مستقيم من وسط وجهه وصدره إلى الكعبة، كما قد يكون استقباله لها مع وجود انحرافٍ يسير لا يخرج بدنه عن استقبال الجهة، كما لو خرج خط مستقيم من جهة خَدِّه مثلًا أو عينه باتجاه القبلة، فهو مُستقبِلٌ لها ولو لم يكن الخط من وسط الوجه والصدر.
فيتبين من هذا أن الاستقبال بالوجه ليس خاصًّا بأن يكون الخط من وسط الوجه، بل يعم وسطه وغير الوسط، وهذا مراده بقوله: «فعُلم أن الاستقبال بالوجه أعم من أن يختص بوسطه فقط».
أما إن كان الانحراف عن القبلة جسيمًا وفاحشًا، فإن تعمُّدَه يُبطل الصلاة.
وإن كان المسجدُ منحرفًا عن القبلة فلا يلزمُ إعادةُ بنائه أو تغييرُ فرشِه، بل يُمكن وضع علامات وخطوط تُبيِّن الاتجاه الصحيح، مع بقاء كل من البناء والفراش على حاله، فأتمروا بينكم بمعروف، واحذروا من الفتنة والفرقة. والله تعالى أعلى وأعلم.

ــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة» حديث (342)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «القبلة» حديث (1011)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (342).
(2) «مجموع الفتاوى» (22/216).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend