اشتراط السجود على الأرض من غير حائل في صحة الصلاة

هل السنةُ في السجودِ السجودُ على الأرض أم على السجاد؟ فالشيعة يقولون: إن سجودَنا على السجاد باطل، بدليل أن الرَّسول سجد على الحصى؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فالحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج(1)، والذي نصَّ في كتابه أنه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر(2)، والذي جعل لنا الأرض مسجدًا وطهورًا، فليس في دينه تكليف عباده بالسجود على حصاة ومن أرض بعينها، سواء أكانت مقدسة أم غير مقدسة، وليس في دينه مَنْع عباده من السجود على البُسُط أو الحُصر الطاهرة كما يزعم من نَكَب عن الصراط وحاد عن طريق الهدى. وإليك الأَدِلَّة أيها الموفق:
1. عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي؛ كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»(3).
2. عن عبد الله بن شَدَّادٍ قال: سمعتُ خالتي ميمونة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم  أنها كانت تكونُ حائِضًا لا تُصَلِّي وهي مُفْتَرِشَةٌ بحِذَاءِ مَسْجِدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يُصَلِّي على خُمْرَتِهِ إذا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ(4).
والخمرة- كما قال الخطابي- هي: «السجادة يسجد عليها الـمُصلِّي»(5).
وقال الطبري: «هو مُصلًّى صغير يُعمل من سَعَف النَّخل، سُمِّيت بذلك لسَتْرِها الوجهَ والكفين من حَرِّ الأرض وبردها ، فإن كانت كبيرةً سُمِّيت حصيرًا»(6).
قال النووي :: «فيه جواز الصَّلاة على الحصير وسائر ما تُنبته الأرض ، وهذا مُجمَع عليه، وما رُوي عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا محمول على استحباب التواضع بمباشرة نفس الأرض. وفيه أن الأصل في الثياب والبُسُط والحصر ونحوها الطهارة، وأن حكم الطهارة مستمر حتى تتحقق نجاسته»(7).
3. عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم  أحسنَ الناس خُلُقًا، وكان لي أخٌ يقال له: أبو عمير، قال: أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء قال: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟»- نُغَرٌ كان يلعبُ به(8)- فربَّما حَضَرَ الصَّلاة، وهو في بيتنا، فيأمُر بالبساط الذي تحته فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثمَّ يَقُومُ، ونَقُوم خلفه فيصلي بنا(9).
4. عن جابرٍ قال: حدثني أبو سعيدٍ الخُدْريُّ أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم  قال: فرأيتُه يصلي على حَصِيرٍ يسجُد عليه. قال: ورأيتُه يصلي في ثوبٍ واحدٍ مُتَوَشِّحًا به(10).
قال النووي: «قوله: (فرأيته يصلي على حصير يسجد) فيه دليل على جواز الصَّلاة على شيء يحول بينه وبين الأرض، من ثوب وحصير وصوف وشعر، وغير ذلك، وسواء نبت من الأرض أم لا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور(11). وقال القاضي رحمه الله تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة فيه، وأما البُسُط واللُّبود(12) وغيرها مما ليس من نبات الأرض فتصح الصَّلاة فيه بالإجماع، لكن الأرض أفضل منه، إلا لحاجة حرٍّ أو بردٍ أو نحوهما؛ لأن الصَّلاة سرها التواضع والخضوع، والله عز وجل  أعلم»(13).
5. وقد عَنْون البُخاري فقال :: «باب السجود على الثَّوب في شدة الحر، وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كُمِّه». ورَوى: تحته:
عن أنس بن مالك قال: كنَّا نُصلِّي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم  فَيَضعُ أحدُنا طرفَ الثَّوب من شدَّة الحرِّ في مكان السجود(14).
أما تفضيل الشيعة للصلاة على شيء من تراب كربلاء- فهو من اختراع أئمتهم، ولا نعرف له أصلًا في دين الله تعالى. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
إطالة الإمام الركوع ليدركه المأموم

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
(2) قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» حديث (438)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» حديث (521)، من حديث جابر بن عبد الله ب.
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الحيض» باب «الصلاة على النفساء وسنتها» حديث (333)، ومسلم في كتاب «الصلاة» باب «الاعتراض بين يدي المصلي» حديث (513).
(5) انظر «فتح الباري» (1/430).
(6) انظر «تحفة الأحوذي» (1/157).
(7) «شرح النووي على صحيح مسلم» (5/163).
(8) النغير: فرخ العصفور والبلبل. انظر: «المعجم الوسيط» (نغر).
(9) أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل» حديث (6203).
(10) أخرجه مسلم في كتاب «الصلاة» باب «الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه» حديث (519).
(11) «شرح النووي على صحيح مسلم» (4/233) .
(12) جمع لبد، وهو: كل شعر أو صوف متلبد وما يوضع تحت السرج وضرب من البُسُط. انظر «المعجم الوسيط» (لبد).
(13) «شرح النووي على صحيح مسلم» (4/233- 234).
(14) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «السجود على الثوب في شدة الحر» حديث (385)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر» حديث (620).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend