مشاركة الدعاة في العمل السياسي

هذه قضيَّةٌ شرعيَّة كثر الخلاف فيها لدى بعض البلدان عند الدُّعاة الذين يعيشون في دول غير إسلاميَّة.
والسُّؤال هو: هل يجوز شرعًا أن يُشارك أحدُ الدُّعاة في العمل السِّياسيِّ؟ بمعنى: أن يُنتخب مثلًا كعضوِ مجلس الكونجرس أو الشُّيوخ أو عمدة البلدية أو محافظًا في إحدى الولايات، حيث قد انتقد بعضُ القائمين بالدَّعوة بعضَ إخوانهم الدُّعاة الذين انتُخبوا وفعلًا قد حصلوا مقعدًا؛ إذ إنهم يُمارسون هذه الأعمال الخبيثةَ المستمدَّة من الطواغيت حَسَب زعمهم، وأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون وَفْقًا لما يُرضي ربَّنا عز وجل، وإنما مُقيَّدون بهذه الأنظمة، وإن لهم صلاحيةً محدودة جدًّا، أفيدونا في هذه القضيَّة.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فلقد عَقَد مجمعُ فقهاء الشَّريعة بأمريكا دورةً تدريبيَّةً بمدينة سكرمنوا في إبريل 2006م حول موضوع المشاركة السِّياسيَّة المشروعيَّة والجدوى، وقد انتهى فيها إلى جملةٍ من التوصيات المهمة أرجو أن تجد فيها جوابًا لسؤالك:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إنه في الفترة من 31 مارس- 4 أبريل- 2006عقدت بحمد الله وتوفيقه الدورة التدريبية الثالثة لأئمة المساجد، والمراكز الإسلامية بالساحل الغربي للولايات المتحدة حول:
المشاركة السياسية: المشروعية والجدوى:
وذلك بمدينة سكرمنتو بولاية كاليفورنيا. وقد استغرقت أعمال هذه الدورة خمس عشرة جلسة امتدت على مدى خمسة أيام متتابعة، وحضرها خمسون إمامًا يمثلون خمسين مركزًا إسلاميًّا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وقد حاضر في هذه الدورة كل من: فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس، وفضيلة الدكتور صلاح الصاوي الأمين العام للمجمع، كما حاضر فيها من أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمجمع كل من: فضيلة الدكتور فاروق السامرائي، وفضيلة الدكتور موفق الغلاييني، وفضيلة الدكتور معن القضاة، وفضيلة الشيخ وليد المنيسي، وقد استخدمت في هذه الدورة تقنية (الفيديو كونفرنس) لتمكين من لم يتمكن من السادة المحاضرين من الحضور إلى مقر الدورة، وقد نوقشت في هذه الدورة جملة من القضايا المهمة المتعلقة بقضية المشاركة السياسية؛ بدءًا من الحديث عن مقاصد العمل السياسي الإسلامي في المجتمع الأمريكي، وآلياته، وضوابطه، ومزالقه، وانتهاء بالتأكيد على كون العمل السياسي في الشرق، والعمل السياسي في الغرب ليس بديلًا من العمل على بقية المحاور الدعوية أو التربوية.
وقد أسفرت هذه الدورة عن النتائج والتوصيات التالية:
أولًا: مقدمة ضرورية:
لا تنطلق هذه المقررات من واقع «فرض نفسه فأحرز بعض المكاسب في عدد من المواقع»، أو «مني ببعض الإخفاقات في مواقع أخرى»، وإنما تنطلق من الحرص على الوفاء بعهد الله عز وجل الذي أخذه على حملة الشريعة بالبيان وعدم الكتمان، وجعله أمانة في أعناقهم لا تبرأ ذمتهم إلا بأدائه على وجهه، سواء أوافق ذلك أهواء المستفتين أم خالفها؛ فإن حقيقة التكليف إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لمولاه، ولا يخفى أن رضاء الناس غاية لا تدرك، فهذه التوصيات ليست لإسباغ الشرعية على تجربة بعينها أو إدانة أخرى، وإنما هي لترشيد أداء المشتغلين بهذا العمل وبذل النصيحة لهم حتى يؤتي عملهم أكله، وتقر به أعينهم يوم يلقون ربهم.
ثانيًا: لا يفوتنا التنبيه على أن تحريف الكلم عن مواضعه وبتره عن سياقه، أو أخذ القول وإغفال قيوده وشرائطه، مسلك تقع تبعاته على من تولى كبره، ولا يسأل عن ذلك أهل الفتوى، فإن المرء أمين على دينه! وكل امرئ حسيب نفسه!
مدخل حول الحاجة إلى المشاركة السياسية:
• لم تعد قضية الإقامة خارج ديار الإسلام من الظواهر الطارئة، فإن الإحصائيات تشير إلى وجود أعداد كبرى من المسلمين تقيم خارج ديار الإسلام تبلغ ثلث تعداد المسلمين مجتمعين على مستوى العالم أجمع! ومع مثل هذه الإقامة الجماعية بات الحديث عن الهجرة من الحلول الفردية التي قد تسع بعض الأفراد عندما تضيق به السبل، ولكنها لا تسع هذه الجموع الغفيرة التي يتعين السعي لتوطين وجودها، وتوطين مؤسساتها، ودفع غوائل العسف والاضطهاد عنها ما امتهد سبيل إلى ذلك.
• ورغم أن الأصل أن يقيم المسلم داخل ديار الإسلام تجنبًا للفتنة في الدين، وتحقيقًا للتناصر بين المؤمنين، وأنه لا تحل له مفارقتها إلا بنية حسنة، كطلب العلم، أو السعي للرزق، أو الفرار بالدين، ونحوه مع استصحاب قصد العودة متى امتهد له سبيل إلى ذلك.
فإن على مسلمي البلاد غير الإسلامية التشبث بالإقامة في تلك البلاد، وإظهار ما يمكنهم إظهاره من شعائر الإسلام، والصبر على ما يصيبهم من بلاء باعتبارهم النواة الأساسية الأقدر على توطين الإسلام في هذه المجتمعات، وعلى الأمة إقدارهم على هذه المرابطة، وإمدادهم بما يحتاجون إليه من الوسائل المعينة على ذلك.
• ومع إقامة هذه الأعداد الغفيرة من المسلمين خارج ديار الإسلام لابد أن تنشأ لهم من المصالح في هذه المجتمعات ما تمس الحاجة إلى حمايته والدفاع عنه، فإن لهم من الناشئة ما يحتاج إلى مؤسسات تعليمية للمحافظة على هويته، ولهم من الأموال ما تمس الحاجة إلى تثميره والمحافظة عليه، ولهم من البرامج الدعوية ما يتطلعون إلى إقامته، ولهم من المؤسسات الإسلامية (المساجد والمراكز وسائر المؤسسات) ما يحتاج إلى من يدفع عنه ويناضل دونه، وللأمة عامة قضاياها العادلة والمشروعة في شتى المواقع، وتتطلع أن يكون لمسلمي هذه المجتمعات دور في تبني هذه القضايا، والدفاع عنها، والتعريف بها لدى الجهات المنفذة، وحمل صناع القرار على احترامها وعدم الاستطالة عليها، وإذا كان ذلك كذلك فإن الحاجة ماسة إلى المشاركة في العمل السياسي بالقدر الذي يحقق هذه المصالح، ويرفع أو يقلل بعض المظالم الواقعة عليها، ولا يتأتى القول بمشروعية الإقامة في هذه البلاد مع تحريم الوسائل التي تقلل مفاسد هذه الإقامة، وتدفع العسف والاضطهاد عن هؤلاء المقيمين.
حول مفهوم العمل السياسي بين الشرق والغرب:
• وإذا كان مفهوم العمل السياسي في الشرق يكاد يقتصر على السعي لنصرة الدين من خلال المشاركة في مؤسسات صناعة القرار السياسي، كالأحزاب السياسية، والمجالس النيابية ونحوه، فإن مفهومه في الغرب يتسع لكل سعي في نصرة الدين من خلال القنوات الرسمية بصفة عامة، فيتسع بذلك لكثير من الأنشطة الدعوية التي اتفق الناس كافة على مشروعيتها فلم يختلف فيها ولم يختلف عليها.
• فالعمل السياسي في الغرب منه ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه: فما كان من جنس أعمال الاحتساب العام كالإنكار على ما يقع من الظلم والعسف وتعمد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، وإعلان هذا النكير بمختلف وسائل التعبير المتاحة في هذه المجتمعات، فإن مثل هذا ينبغي أن يكون في أصله من المحكم الذي لا يختلف فيه ولا يختلف عليه، ولا يدخل ابتداء في محل النزاع، أما ما كان من جنس العمل السياسي بمفهومه الخاص ( المشاركة في مؤسسات صنع القرار السياسي كالأحزاب والمجالس النيابية ونحوه)، فهذا هو موضع النظر، لاختلاط المصالح بالمفاسد في مثل هذه الأعمال.
المقصود بالعمل السياسي بمفهومه الخاص:
المقصود بالعمل السياسي في هذا المقام هو المشاركة في صنع القرار السياسي من خلال الأحزاب السياسية، والمجالس النيابية، وغيرها من المؤسسات السياسية والدستورية للدولة، مع ما يستتبعه ذلك من التحالفات المؤقتة مع بعض القوى السياسية الأخرى، أو استعمال بعض الآليات الديموقراطية المتاحة كالتظاهر والعصيان المدني وتكوين جماعات الضغط ونحوه، وذلك بغية تحصيل بعض المصالح الشرعية للأقليات الإسلامية كحماية حقوقها السياسية والمدنية ونحوه، وتعطيل أو تقليل بعض المظالم الواقعة عليها.
حول مقاصد العمل السياسي خارج ديار الإسلام:
– التعريف بالإسلام والدعوة إليه من خلال إزالة بعض المنكرات، أو إشاعة بعض أنواع المعروف، وإعطاء الصورة الصحيحة عن الإسلام كدين، وعن المسلمين كجالية متوطنة، لها إسهاماتها الحضارية في مختلف المجالات.
– الإسهام الإيجابي في حل قضايا هذه المجتمعات من منظور إسلامي، والمشاركة في صناعة القرارات المحلية والدولية.
– المحافظة على حقوق الأقليات خارج ديار الإسلام، والدفاع عنها، والحيلولة دون انتهاكها.
– تحصيل بعض المصالح للعمل الإسلامي، ودفع أو تقليل بعض المظالم الواقعة عليه، أو إزالة بعض المنكرات من حياتهم، في حدود المستطاع.
– نصرة قضايا الأمة العادلة داخل ديار الإسلام، وكسب التأييد الدولي لها من خلال هذا العمل.
حول ضوابط العمل السياسي:
العمل السياسي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، وجميع الأعمال في ذلك سواء.
وعلى هذا فالأصل العام أن يتقيد العمل السياسي بمرجعية الشريعة، وأن ينضبط بضوابط المصلحة الشرعية، وأن يراقب مشروعيته ثلة من الفقهاء والخبراء ممن يحسنون الفهم عن الله ورسوله، ويضعون الأمور في نصابها، فلا يغلقون باب الاستصلاح بالكلية فيفوتون كثيرًا من المصالح الشرعية، ولا يفتحونه على مصراعيه بغير ضابط فيدخلون في دين الله ما ليس منه، وإذا كانت الأمة قد اصطلحت على هيئات رقابة شرعية داخل المصارف الإسلامية لمراقبة مشروعية عقودها فإن العمل السياسي أحوج منها لمثل هذه الرقابة، وينبغي أن يُسلس القائمون عليه قيادهم لها، وأن يجعلوها حجة بينهم وبين الله عز وجل، وجنة يتقون بها سخطه وعذابه!
ومن الضوابط التي تذكر في هذا المقام:
• دراسة الجدوى، والتحرير الدقيق لما يتضمنه هذا العمل من المصالح أو المفاسد، والتأكد من غلبة المصلحة، ومراجعة هذه الموازنات بصورة دورية ومتجددة، فإن المصالح والمفاسد في مثل هذه المسائل في حركة دائبة ومضطردة.
• أن لا يقتضي هذا العمل مظاهرة على المؤمنين، أو اتخاذ عدوهم بطانة من دونهم.
• أن لا يفضي إلى تشرذم فصائل العمل الإسلامي، بما يجره الخلاف حوله من تهارج وتفرق مذموم.
• التوازن بين الاشتغال بهذا العمل والاشتغال بسائر الأعمال الدعوية الأخرى، فالعمل السياسي ليس بديلًا من الأعمال الدعوية أو التربوية، فلا ينبغي أن يكون الاشتغال به على حساب تراجع أو تهميش هذه الأعمال.
حول محاذير العمل السياسي:
قد يكتنف الاشتغال بالعمل السياسي جملة من المحاذير يتعين الانتباه إليها والحذر منها، نذكر منها:
• شق الصف الإسلامي، وتفجير الفتن بين فصائله لتباين الاجتهادات حول هذه القضية ابتداء من ناحية، أو لتباين الاجتهادات حول بعض تطبيقاتها وآلياتها من ناحية أخرى.
• التورط في إدانة الفصائل الأخرى العاملة للإسلام، ودمغها بالجمود أو الإرهاب عندما لا تتجاوب مع الطرح السياسي الذي تقدمه التجمعات التي تتحمس لهذا العمل.
• التورط في بعض المواقف الفقهية أو التصريحات الإعلامية التي لا تتفق مع أصول الشريعة، والتي تستفز أهل البصيرة من المؤيدين لهذا العمل أو المعارضين له على حد سواء.
• الاستدراج إلى تنازلات لا تقابل بمصالح راجحة، والتنازل إذا بدأ فليس له حد ينتهي إليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى!
وتزداد هذه المحاذير حدة عند الاشتغال بهذا العمل خارج ديار الإسلام مقارنة بنظيرتها في ديار الإسلام، لما تؤدي إليه الإقامة خارج ديار الإسلام بصفة عامة، والتعامل اليومي مع غير المسلمين في أغلب الأحوال من رقة في الدين، وجهل بكثير من ضوابطه، ولهذا يتعين الحذر الدائم، واليقظة المستمرة، وتوثيق الصلة مع أهل العلم، والرجوع إليهم في كل ما يطرأ من النوازل، والإصغاء إلى النصيحة التي يقدمونها، واتخاذهم جنة من عذاب الله وسخطه.
حول مدى شرعية العمل السياسي بمفهومه الخاص:
– العمل السياسي لنصرة الدين من خلال الأحزاب السياسية والمجالس البلدية أو النيابية أسلوب من أساليب الاحتساب واستصلاح الأحوال، بغية تحقيق بعض المصالح، ودفع بعض المفاسد، ورفع بعض المظالم، فهو ليس خيرًا محضًا كما يتوهمه المتحمسون، كما أنه ليس شرًّا محضًا كما يظنه المعارضون، ولكنه مما تختلط فيه المصالح والمفاسد، وتزدحم فيه المنافع والمضار، فهو يدور في فلك السياسة الشرعية، ويتقرر حكمه في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، فحيثما ظهرت المصلحة، ولم تعارض بمفسدة راجحة، فلا بأس باشتغال بعض الإسلاميين به، شريطة أن لا تستنفذ فيه الطاقات، وأن لا يحمل على الاستطالة على الآخرين، وأن لا يصرف عن الاشتغال بالأعمال الدعوية أو التعليمية أو التربوية، بل قد يكون الاشتغال به واجبًا في بعض الأحيان إذا تعين وسيلة لتحصيل بعض المصالح الراجحة أو تكميلها، وتعطيل بعض المفاسد أو تقليلها، وقد يكون حرامًا إذا عظمت مفسدته، وربا ضره على نفعه، بل ربما أدى إلى فساد في الاعتقاد، وانسلال من ربقة الإسلام، ولهذا فإن مسائل هذا الباب مما تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال، وذلك تبعًا لتغير وجوه المصلحة.
– وهو كغيره من الأعمال لابد لمشروعيته من ضوابط يتعين التزامها، ومحاذير يتعين اجتنابها حتى تمضي أعماله على سنن الرشد.
– الغالب في الاشتغال بالأعمال السياسية، سواء أكان ذلك داخل ديار الإسلام أم كان خارجهاكونه وسيلة لتحقيق بعض المكاسب للعمل الإسلامي، ودفع بعض المفاسد عنه، ولا ينتظر منه أن يكون وسيلة العاملين لنصرة الدين إلى الإصلاح العام، والتغيير الشامل الذي ينشدونه ويسعون إليه، سواء في الشرق أو في الغرب.
حول بعض المعالم العملية لنجاح المشاركة السياسية:
لابد للعمل السياسي في الغرب من الاتفاق على جملة من المطالب والسياسات المعقولة والممكنة، تمثل مشتركًا سياسيًّا يسعون إلى تحقيقه في هذا المعترك، وعلى جهة تمثل المسلمين في هذا الجانب، وتتبنى الحديث باسمهم والتفاوض نيابة عنهم، حتى لا تتفرق كلمتهم وتذهب ريحهم، أما إذا كان أمرهم فرطًا، ولم يتفقوا على برنامج سياسي ولا على جهة تمثلهم فلا يتوقع أن تكون لهم شوكة في خضم هذا المعترك.
وما لم يتوفر ذلك للعمل الإسلامي فسوف تبقى محاولاته في هذا المجال محاولات قاصرة، لا يعول عليها كثيرًا في استخلاص حق أو في دفع مظلمة!
حول بطلان إطلاق القول بتكفير البرلمانيين في ظل العلمانية:
وما نسب إلى بعض الإسلاميين من إطلاق القول بتكفير من دخل في هذا العمل أيًّا كان مقصوده ونيته من الإطلاقات الفاحشة التي ترد على أصحابها، فإن البرلمانيين في ظل العلمانية أنواع:
• فمنهم من بقي على أصل إيمانه بالله ورسوله، محبًّا للشريعة ومنحازًا لفسطاطها، وكان له نوع تأول في دخوله إلى هذه المواقع أو بقائه فيها كتحصيل بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد؛ فهذا له حكم أمثاله من أهل الإسلام، وأمره إلى الله.
• ومنهم من انحاز إلى العلمانية، وأعلن انتماءه لها، وتبنيه لمقرراتها، فهذا له حكم أمثاله من العلمانيين العقديين.
• ومنهم المغيبون عن حقيقة ما يجري في العالم من الصراعات الفكرية والسياسية من العامة وأشباه العامة، ولا أرب لهم في سعيهم إلى هذه المواقع إلا ما يكون لطلاب الدنيا عادة عند تطلعهم إلى المناصب والألقاب، مع بقاء انتسابهم إلى الإسلام في الجملة، وإقرارهم بشرائعه على الجملة، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من جهلاء أهل الإسلام، ممن خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وهم في خطر المشيئة يوم القيامة، إلا إذا أقيمت عليهم الحجة الرسالية التي يكفر معاندها.
حول مشاركة المرأة المسلمة في العمل السياسي:
النساء شقائق الرجال، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، والأصل في الخطاب الشرعي أنه يتوجه إلى الرجال والنساء على حد سواء إلا ما ورد فيه دليل على تخصيص أحدهما.
• للقيام على البيت وتربية الناشئة فيه الأولوية الأولى في حياة المرأة المسلمة، وللعلاقة بين الرجال والنساء خصوصية ٌيجب أن تراعى، فالخلوة بالأجنبية محرم، والنظر إليها والاختلاط بها لا يجوز إلا لحاجة.
• وللمرأة المسلمة في حدود ضوابط الحجاب والعفة أن تشارك في أعمال الدعوة والاحتساب، ومن بينها العمل السياسي بمفهومه العام بما تتهيأ له ظروفها ويتفق مع طبيعتها وفطرتها، ولا يعرضها لما يخدش حياءها وأنوثتها.
• لا حرج في مشاركة المرأة في عضوية المجالس البلدية، أو المراكز الإسلامية تصويتًا وترشيحًا في حدود الضوابط السابقة، متى تأهلت لذلك واقتضته مصلحة الجماعة، واستحدث من الوسائل والآليات ما يمنع مفاسد هذه المشاركة، أو يجعلها مرجوحة على أدنى تقدير، فإن عضوية هذه المجالس تندرج تحت أعمال الاجتهاد أو الرقابة والمحاسبة، وهي ولايات جزئية أو خاصة، ولا حرج في تولي المرأة المسلمة لشيء من ذلك، وليست من باب الولاية العامة التي تنشئ عموم النظر على عموم الأمة، وهي التي اتفق أهل العلم على عدم أهلية المرأة لها.
• وأمثل مشاركة للمرأة أن تكون وافدة النساء في هذه المجالس، وذلك عن طريق إنشاء أقسام ولجان خاصة بهن؛ للعمل السياسي والدعوي عمومًا داخل المؤسسات الدعوية، أو الأحزاب السياسية بما يضمن الاستغلال الأمثل للطاقات ولا يتعارض مع حكم الشريعة.
تسويغ العمل السياسي لا يعني تسويغ الديموقراطية العلمانية أو المناهج القمعية:
هذا وإن تسويغ العمل السياسي في الإطار السابق لا يعني الإقرار بالديموقراطية في إطارها الغربي؛ بما تعنيه من تأليه الإرادة البشرية ونقل مصدرية التشريع من الوحي المعصوم إلى الأهواء البشرية، وبما تتضمنه من إهدار أهلية الاختيار، والتسوية بين الناس كافة في عملية التصويت، فضلًا عن أكذوبة سيادة الأمة، وصورية تحكيم الأغلبية التي جعلت السينتور جيوفاني استيونتور يقول: «أروني الشعب أعطيكم عيني اليمنى! فمنذ عشرات السنين وأنا أبحث عنه ولم أجده بعد!!». بالإضافة إلى آفة الالتزام الحزبي التي تحول العملية الديموقراطية إلى مسرحية هزلية، والتي حملت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني على القول: «لقد سمعت في مجلس العموم كثيرًا من الخطب التي غيرت رأيي، ولكني لم أسمع خطبة واحدة غيرت صوتي!».
كما لا يعني كذلك تسويغ الاستبداد والمناهج القمعية، فإن الشورى من عزائم الأحكام وقواعد الشريعة، وهي تقوم على التفريق بين مصدر النظام التشريعي ومصدر السلطة السياسية، فالنظام التشريعي مصدره الوحي المعصوم قرآنًا وسنة وما حمل عليهما بطريق الاجتهاد، والنظام السياسي مصدره الأمة، فللأمة في إطار مرجعية الشريعة الحق كل الحق في الهيمنة على ولاتها تولية ورقابة وعزلًا، فالاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، ومن بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه تغرة أن يقتلا كما قال عمر رضي الله عنه.
حول الشورى ومجالاتها:
• الشورى من قواعد الشريعة وعزائم أحكامها، وهي الطريق إلى وحدة الأمة الإسلامية، من خلال عرض القضايا والمشكلات العامة وتبادل الرأي والحوار، وهي تؤدي إلى قلة الأخطاء؛ فكثير من الأخطاء مردُّها إلى الانفراد بالرأي.
• الأصل استحباب التشاور في جميع الأمور؛ لأن الله تعالى ذكر التشاور في فصال الطفل الرضيع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استشار في أمر عائلي وهو أمر إمساك أم المؤمنين عائشة أو تطليقها، وقد ترك الشرع للمستشير أن يحدد بنفسه ما يستدعي التشاور مما لا يستدعيه، ولا مانع شرعًا من تنظيم ضوابط يرجع إليها الحكام والمسئولون في تحديد ما يستشيرون فيه من عدمه، وأما استبعاد ما فيه نص شرعي يقطع بحكمه من دائرة التشاور فيه فينبغي وضع ضوابط لذلك، حيث إن بعض ما ورد فيه نص آمر أو ناهٍ يكون هذا النص معارضًا بمعارضات تستدعي شرعًا عدم فعل هذا المأمور أو عدم ترك هذا المنهي، من باب ارتكاب أخف الضررين، ودرء المفاسد ونحوه من القواعد الشرعية التي يحتاج تطبيقها إلى استشارة أهل العلم.
• في حكم الشورى ابتداء وفي كون نتيجتها معلمة أو ملزمة خلاف مشهور، وأمثل الطرق لحسمه أن تعقد البيعة ابتداء على نحو مفصل تبين فيه مواضع وجوبها، كما تبين فيه دائرة إعلامها ودائرة إلزامها على نحو ينقطع به الخلاف ويرشد به المسار.
حول الأحزاب السياسية في ظل الأنظمة العلمانية:
– الأحزاب السياسية التي لم تتكون على أسس عقدية، لا تحدد هوية أعضائها، ولا ينقض الانتساب إليها أصل إيمانهم، بل يعامل كل فرد فيها بحسبه، ولكنها باعتبارها عملًا مؤسسيًّا لا تكتسب الهوية الإسلامية إلا إذا كان اجتماعها على الإسلام، وتحاكمها إلى الشريعة.
– أما الأحزاب التي تكونت على أسس عقدية، فتتحدد هويتها بحسب عقيدتها، ولا ينعكس ذلك على حكم أفرادها على سبيل التعيين، إلا بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع، فالعلاقة بين هوية الحزب وهوية أعضائه كالعلاقة بين الإطلاق والتعيين في باب الأسماء والأحكام.
حول التعددية السياسية:
• التعددية السياسية التي تقوم على تداول السلطة بين مختلف الأحزاب السياسية فكرة غربية نشأت في أوربا في أعقاب تحررها من الطغيان الكنسي والطغيان الملكي، وإطلاق الحريات الفردية، ونقل السيادة من كل من رجال الدين والملوك إلى الأمة، فانتهى بهم المطاف إلى هذه الصياغة التي تقر للأغلبية بالحق في الحكم وللأقلية بالحق في المعارضة إلى حين، ثم يعود الأمر بعد ذلك إلى الأمة لترى رأيها في الفريقين من جديد.
• وهذه الفكرة على هذا النحو لم يعرفها التاريخ الإسلامي، ولم يتضمنها التراث الإسلامي، وإن كان قد أرسى حق الأمة في السلطة العامة تولية ورقابة وعزلًا، كما أرسى حقها في الحسبة على السلطان وعلى من دونه.
التعددية السياسية في منظور المفكرين الوضعيين لها إيجابياتها وسلبياتها:
فمن إيجابياتها: أنها مدارس للشعوب تعمل على توجيه الرأي العام، وتعميق الوعي السياسي لدى الأمة، كما أنها تعتبر همزة الوصل بين الحكام والمحكومين خاصة في الديموقراطية النيابية التي ينتهي دور الأمة فيها عند اختيار نوابها في البرلمان ليقوموا نيابة عنها بمباشرة كافة حقوق السيادة، وليس للأمة عليهم من سلطان إلا عند إعادة انتخابهم مرة أخرى، كما أنها تعد عنصرًا من عناصر استقرار الحياة السياسية؛ بما تتيحه من الوجود العلني للمعارضة، وإتاحة الفرصة أمامها للمشاركة في الحكم إذا حظيت بتأييد الأغلبية بدلًا من لجوء المعارضة إلى أسلوب الجماعات السرية.
ومن سلبياتها: تشرذم الأمة، وتبديد جهود الدولة وتشتت قواها، وآلية الحياة السياسية، وتحويل الأنظمة الديموقراطية إلى أنظمة جوفاء، حيث يتحول الأعضاء في البرلمان بمقتضى الالتزام الحزبي إلى مجرد أبواق تفسر قناعات أحزابهم أو تبررها للآخرين.
اختلف الباحثون في قضية التعددية إلى ثلاثة آراء: الحرمة المطلقة، والجواز المطلق، والجواز إذا كانت داخل الإطار الإسلامي.
أما مأخذ القائلين بالحرمة فيتمثل فيما تفضي إليه التعددية من تشرذم الأمة وتفرق كلمتها، وما تتضمنه من عقد الولاء والبراء على ما دون الكتاب والسنة، وما تتضمنه كذلك من الحرص على الولاية والتنافس في طلبها، وما تقتضيه المعركة الانتخابية من تزكية النفس والطعن في الآخرين، وما تعنيه من الخروج على الجماعة ومنازعة الأئمة، بالإضافة إلى انعدام السوابق التاريخية، وفشل التجارب المعاصرة، وخطأ القياس على تعدد الأحزاب العلمانية.
أما مأخذ القائلين بإطلاق الإباحة فهو الاستشهاد بالفرق الإسلامية القديمة، وباستيعاب الإطار الإسلامي للمجوس والوثنيين وسائر الملل، وقد نوقش بأن الفرق ظاهرة مرضية إن سلم بوجودها فلا يسلم بإتاحة السبل أمامها طواعية لتكون في موضع القيادة، أما أهل الملل الأخرى فإنهم كغيرهم من أهل دار الإسلام ليس لهم الخروج على ثوابت الدولة ومرجعيتها التشريعية، وحقهم في العمل السياسي محكوم بهذه الأصول الكلية التي تجسد هوية الدولة الإسلامية.
أما مأخذ القائلين بالجواز داخل الإطار الإسلامي فيتمثل في أن هذا الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولا يشترط لمشروعيتها أن تكون على مثال سابق، وقاعدة الذرائع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب دليل مشروعيتها، فالتعددية أمثل طريق إلى تحقيق الشورى والرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما أنها الطريق إلى الاستقرار السياسي ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، بالإضافة إلى بشاعة البديل وهو الاستبداد بالسلطة وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من الإغراء بالقهر والتسلط، فضلًا عن أن الأدلة التي ساقها المعارضون موضع نظر، وأن ما ذكروه من مفاسد التعددية، منها ما يمكن تجنبه بالكلية، ومنها ما يمكن تقليله بحيث يبدوا مرجوحًا إذا ما قورن بما في التعددية من المصالح الراجحة، كما أن التعددية لا تعني بالضرورة التنافس على موقع الإمامة بل قد يكتفى فيها بالتنافس على موقع الوزارة (وزارة التفويض)، والذي يظهر أن هذا القول هو أولى الأقوال بالصواب في هذه القضية.
حول التحالفات السياسية:
– أصل التعاون على البر والتقوى من الأصول الثابتة في الشريعة، على أن لا تقابل المصالح المترتبة عليه بمفاسد راجحة.
– من المفاسد المحتملة في هذه التحالفات: إسباغ قدر من الشرعية على بعض الأحزاب العلمانية، أو التزام المتحالفين بقاسم مشترك من المواقف السياسية التي قد تتعارض مع ثوابت الشريعة، فإذا خلت من شيء من ذلك، وتضمنت مصلحة ظاهرة ولم تعارض بمفسدة راجحة فلا حرج.
– إذا التبس الأمر، واختلطت المصالح بالمفاسد، أحيل الأمر إلى أهل النظر من أهل العلم وأهل الخبرة لإجراء الموازنة بين ما يتوقع من المصالح أو المفاسد لتحقيق خير الخيرين ودفع شر الشرين، ويكون قرارهم في هذا المجال من جنس الأمورالاجتهادية التي لا يعقد عليها ولاء ولا براء ولا يثرب فيها على المخالف.
– وفي الجملة فإن هذا الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تتقرر في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتختلف فيها الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأحوال.
– لا بأس بعقد بعض اللقاءات العامة مع بعض المرشحين من غير المسلمين، على أن يكون الهدف منها استفاضة البلاغ برسالة الإسلام وسمو أحكامه من ناحية، وتعريفهم بمطالب الجالية المسلمة، وإزالة الشبهات التي يلصقها بها الإعلام المعادي من ناحية أخرى، وعلى أن يتقيد في هذه اللقاءات بالضوابط الشرعية فيما يتعلق بالحجاب والعفاف ونحوه.
– لا بأس أن يتقلد المسلم من الولايات خارج ديار الإسلام ما يرجو به تقليل ما يمكن تقليله من المفاسد، ورفع ما يمكن رفعه من المظالم، وإقامة ما يمكن إقامته من العدل في حدود الوسع والطاقة، على أن يحافظ على هذا المقصود ابتداء ودوامًا، لكي يكون وكيلًا عن المظلوم في رفع مظلمته أو تقليلها، وليس وكيلًا عن الظالم في إعانته على ظلمه، و لهذا فإن الحكم في هذا الأمر يختلف باختلاف الأشخاص و الأحوال والأزمنة والأمكنة.
– ولا بأس بطلب هذه الولاية عند ظهور المصلحة للمسلمين في ذلك، وأن يسلك في الحصول عليها مسالكها المتبعة في هذه المجتمعات مادامت لا تنطوي هذه المسالك في ذاتها على مفسدة راجحة.
– وكما يجوز أيضًا إعانة أحد المرشحين لهذه الولايات من غير المسلمين على مرشح آخر إذا كان الأول معروفًا بقلة عدائه للمسلمين، وكان الآخر شديد النكاية فيهم، بناء على قاعدة تقليل المفاسد و هي إحدى القواعد الشرعية المعتبرة ما لم يعارض ذلك بمفسدة راجحة، وإن تضمن هذا العمل فيما تضمن إعانة على معصية فقد تجوز الإعانة على المعصية لا من حيث كونها معصية بل من حيث كونها سبيلًا متعينًا لدفع معصية أكبر.
حول التظاهر ومدى مشروعيته:
التظاهر هو إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورة مسيرة جماعية، وهو وسيلة معاصرة من وسائل التعبير عن الرأي، وتوجيه القرار السياسي في المجتمعات الديموقراطية، ويعد من الحقوق الدستورية المكفولة في معظم هذه الدول، وتنظم القوانين في العادة حدود ممارسة هذا الحق حيث تشترط له إذنًا مسبقًا وميقاتًا محددًا، وتحظر بطبيعة الحال المساس بالممتلكات والمرافق العامة.
والتظاهر كما لا يخفى مما تختلط فيه المصالح والمفاسد، وتتزاحم فيه المنافع والمضار، فهو كما يشتمل على جملة من المصالح فإنه يشتمل كذلك على جملة من المفاسد، وهو في الإطار الذي تقرره له المجتمعات الغربية يمكن أن يكون وسيلة من وسائل الصدع بالحق، وأسلوبًا من أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبابًا من أبواب الجهاد بالكلمة، ولاسيما إذا تعين في بعض المواقع أو في بعض المواقف وسيلة إلى تحقيق هذه المقاصد السابقة، مع ضرورة الاجتهاد في تقليل مفاسده قدر الوسع والطاقة.
والتظاهر ليس بديلًا من الأعمال الدعوية أو التربوية، وإنما هو من جملة الأنشطة التي يتسنى للجالية المسلمة ممارستها، ويقف على التوازي مع بقية المجالات، ليس بديلًا منها ولا متعارضًا معها، ولكنه مكمل لها ومتساوق معها، وعلى المباشرين له الاجتهاد في تقليل مفاسده، والتشاور مع أهل العلم وأهل الخبرة في مدى مشروعيته ومدى جدواه كلما توجهوا إلى مباشرته في موقف من المواقف.
حول المقاطعة درءًا للصيال وكفًا للعدوان:
المقاطعة هي الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا وفق نظام جماعي مدروس، وهي من وسائل المقاومة المشروعة في واقعنا المعاصر، وقد قننتها المواثيق الدولية، وتتسع لها قواعد السياسة الشرعية.
وإذا كان الأصل هو حرية التعامل في الطيبات بيعًا وشراء، أيًّا كان المتعامل معه برًّا أو فاجرًا، مسلمًا أو كافرًا، فإن المقاطعة عندما تتعين سبيلًا لدفع صيال أو كف عدوان فإنها تصبح من الوسائل المشروعة للمقاومة، بل لا يبعد القول بأن تكون من الواجبات المحتومة، طبقًا لما تمهد في الشريعة من أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد حلًّا وحرمة.
وتطبيقًا لهذه القاعدة فإذا كان التعامل مع المعتدي يتضمن تقوية له وإعانة له على بغيه وعدوانه بما يصيبه من الربح، ووجد بديل من السلع التي تشترى من المعتدي سواء أكان من خلال استجلابها من مسلم أو من مسالم، فإن الأدلة الشرعية تتظاهر على حرمة هذا التعامل وتشدد النكير على فاعله.
هذا وتتضمن المقاطعة فيما تتضمن أبعادًا تربوية ودعوية لا تقل في أهميتها عن الأبعاد الاقتصادية نذكرمنها:
• تربية الأمة على التحرر من العبودية والتبعية الاقتصادية لهذه السلع والمنتجات التي تستنـزف بها مقدرات البلاد لصالح هؤلاء المعتدين.
• إحياء مفهوم الولاء والبراء، وتجديد معاني الأخوة الإسلامية في صور واقعية ومحسوسة، وتأكيد معنى البراءة من المعتدين، سواء أكانوا من الحكومات أم من المحكومين.
وينبغي أن يصدر بهذه المقاطعة قرار من أولي الأمر، لتكون المقاطعة جماعية ولتكون آثارها فعالة وموجعة، فإذا تردد بعض الولاة في القيام بواجبهم لأي سبب من الأسباب انتقلت المسئولية إلى العلماء، الذين يتعين عليهم أن يخاطبوا الأمة بذلك، فإن أولي الأمر في الأمة فريقان: العلماء والأمراء، فإذا تباطأ الأمراء عن دورهم في حمل الأمة على ما يقتضيه النظر الشرعي، فإن الأمور موكولة إلى العلماء، وقد أخذ الله عليهم الميثاق بالبيان، وتوعدهم أبلغ وعيد على الكتمان.
هذا وإن وجوب المقاطعة يشمل المستهلكين كما يشمل التجار المستوردين لهذه السلع حتى تتكامل الأدوار في تفعيل هذا السلاح ليكون منتجًا لآثاره ومفضيًا إلى مقصوده.
وأخيرًا بعض التوصيات العملية:
• الانتقال من الحديث عن مشروعية العمل السياسي إلى التحرك لتوجيهه وضبطه بالضوابط الشرعية لضمان مشروعيته وفاعليته.
• بيان الحكم الشرعي لكثير من النوازل التي تصحب العمل السياسي ويجد العاملون في هذا المجال في صدورهم حرجًا منها كالاختلاط المنكر في اللقاءات العامة، وما تقتضيه المداراة في بعض الأحوال من السكوت عن بعض المنكرات الظاهرة سواء أكانت على مستوى العقائد أم على مستوى السلوك، وما يتعلق بذلك من الأصول الشرعية كضوابط الضرورة والمصلحة والحاجة وغير ذلك من الأصول الشرعية التي لا غنى عنها للعاملين في هذا المجال.
• السعي الجاد لرفع المستوى الفقهي والتأهيل السياسي للأئمة؛ ليسهموا بإيجابية وفعالية في ترشيد العمل السياسي في أمريكا وتوجيه مسيرته.
• التواصل مع النشطاء السياسيين من المسلمين من الجمعيات أو من الأفراد، وتوثيق العلاقة معهم إحياء للربانية في نفوسهم، وتزويدًا لهم بما لا غنى لهم عنه من الأحكام الشرعية.
• توعية الجالية المسلمة تربويًّا وسياسيًّا بالاستعانة بالمتخصصين في هذا المجال، وعقد الندوات والمحاضرات العامة التي تعنى بقضية العمل السياسي؛ لتفعيل دور الجالية وترسيخًا لمباشرتها لهذا العمل ورقابتها عليه. مد يد العون إلى المنظمات الإسلامية الناشطة في مجال العمل السياسي بغية تقويتها ماديًّا ومعنويًّا.
والحمد لله رب العالمين
طلب الحصول على الجنسية الأمريكية

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   03 العقيدة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend