مسألة حكم تارك جنس العمل، أي ترك عمل الجوارح ما عدا الشهادتين إجماعًا، وترك النواقض القولية والعملية إجماعًا والمباني الأربعة على خلاف سائغ معتبر.
أي رجل أتى بالشهادتين مع وجود أصل الإيمان القلبي، وتارك للنواقض امتثالًا، وترك عمل الجوارح هل هو كافر؟ وما درجة الخلاف؟ مع العلم أن كثيرًا من الناس يقول: إن فضيلتكم تقول بأنه كافر خارج عن الملة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالذي أفهمه أيها الحبيب أن من أقر بالشهادتين إقرارًا التزاميًّا يقصد به الإجابة إلى الإيمان والدخول في الإسلام، واجتنب نواقضهما، ثم أخل بما وراء ذلك من أعمال الجوارح فهو من أهل الوعيد، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له؛ وذلك لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
أما الاعتراض على ذلك بمثل كفر ساب النبي ﷺ فإن ساب النبي ﷺ قد أتى بما ينقض إقراره؛ لأن الإقرار لمحمد ﷺ بالرسالة معناه تصديقه وتوقيره، فمن سبه أو تنقصه فقد أتى بما ينقض إقراره، وأما الاعتراض على ذلك بمثل كفر تارك الصلاة أو تارك المباني الأربعة، فإن الخلاف في ذلك مشهور، ومنقول في تراث الأمة وعن أكابر أئمتها وعلمائها جيلًا بعد جيل.
ومن ناحية أخرى فما هو المقصود بتارك جنس العمل؟ هل هو تارك جنس أعمال الخير، فلم يستغفر ربه في حياته قط، ولم يذكره قط، ولم يركع لله في حياته قط، ولا صام له قط، ولا خشيه بالغيب قط، إن هذا لا يتصور، إلا من أقر بالشهادتين في حادث عابر ثم نسي أنه مسلم؟! أو في بعض أوقات فتور الشرائع وارتفاع القرآن بحيث لا تبقى منه في الأرض آية، أو في بعض الأماكن النائية خارج ديار الإسلام! وهل مثل هذه الصور من الشيوع بحيث تدار حولها كل هذه المعارك، ويتفرق الناس بسببها كل هذا التفرق؟!
وهذه مجرد عجالة في الرد على سؤالك بما أسعف به الوقت، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان الأخرى فأنا ملتزم في الجملة بما عليه السلف، أقرُّ بما به يقرون، وأدين بما به يدينون، فإن أخطأت في تحرير بعض أصولهم، أو فهمتها على غير وجهها فأستغفر الله من ذلك، وأنا راجع عنه في حياتي وبعد مماتي والقول ما قالوا، فقولهم أعلم وأسلم وأحكم، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.