احتفال المسلمين بعيد الشكر

يحتفل النصارى كل عام بعيد الشكر؛ حيث تجتمع الأسرة بأفرادها على طعام يقدم فيه ديك الحبش. هناك من المسلمين من يشتري ديك الحبش ويعمل وليمة يجتمع عليها مع أسرته وأصدقائه، أو يجتمع الأصدقاء على تناول الطعام من غير مشاركة النصارى في طعامهم، أو طقوسهم في بيوتهم. فما رأي الشريعة المطهرة في إعداد وليمة الطعام في هذا اليوم المعروف بيوم عيد الشكر عند النصارى؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
تقرر أن الأصل العام هو النهي عن التشبه بغير المسلمين للنصوص العامة التي تنهي عن اتباع أهوائهم وتحرم التشبه بهم، كقوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية: 18]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
وقد ورد في النهي عن التشبه بهم في أعيادهم جملة من الأدلة تؤكد هذا النهي العام، وتحرم متابعتهم في ذلك، وذلك من الكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72]، وقد تأولها غير واحد من التابعين على أن الزور الوارد في الآية يراد به أعياد المشركين، فقد روي هذا عن مجاهد ومحمد بن سيرين والربيع بن أنس والضحاك وغيرهم، وتأويل الآية على أن المراد بها شهادة الزور التي هي الكذب فيه نظر، فإن الله جل وعلا قال: لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان: 72] ولم يقل: لا يشهدون بالزور، والعرب تقول: شهدت كذا إذا حضرته، كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما شهدت بكذا، فمعناه أخبرت به.
ومن السنة: ما رواه الشيخان عن عائشة ل قالت: دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟- وذلك يوم عيد- فقال رسول الله: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا».
فقوله: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا»- يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما يقتضي حصر عيدنا في هذا، فليس لنا عيد سواه، وقد رخص صلى الله عليه وسلم في لعب الجواري بالدف وتغنيهن معللًا بأن لكل قوم عيدًا وهذا عيدُنا، وذلك يقتضي أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار، وأنه لا يرخص في اللعب في أعياد الكفار كما يرخص فيه في أعياد المسلمين.
وما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْـجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمَا بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ».
فلم يُقرَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اللعب فيهما على العادة، بل بيَّن لهما أن الله أبدلهما بهما يومين خيرًا منهما.
وما رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك رضى الله عنه قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلًا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قالوا: لا. قال: «فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟». قالوا: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ الله وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ».
والعيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، وقد يكون سنويًّا أو شهريًّا أو أسبوعيًّا ونحوه، فنهى النبيُّ أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيدًا سدًّا للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشيةَ أن يكون الذبح هناك سببًا لإحياء أمرِ تلك البقعة وذريعة إلى اتخاذها عيدًا.
وفي البيهقي عن عمر رضى الله عنه: لا تعلموا رَطَانَةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإنَّ السخطة تنزل عليهم.
وروي عنه أيضًا أنه قال: اجتنبوا أعداءَ الله في عيدهم.
وروي عن ابن عمر أنه قال: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشِرَ معهم يوم القيامة.
هذا ولم يزل اليهود والنصارى في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي هي لهم، ولم يكن على عهد السابقين من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك مع قيام المقتضي لبعض ما يفعلونه في كثير من النفوس، فعلم أن دين الإسلام هو المانع من الموافقة في شيء من ذلك.
وبعد، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على بدعية ما أحدثه المسلمون في دينهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ». فكيف بما أحدثه الكفار مما لم يشرعه نبي قط؟!
وإذا كان ذلك كذلك فإن من دعا إلى الاجتماع على مثل طعام القوم في مثل هذا اليوم قاصدًا التشبُّه بهم فقد عمل زورًا وغشى محظورًا، أما من دعا أسرته ورحمه إلى الاجتماع في هذا اليوم لمجرد الاستفادة من كونه يوم عطلة رسمية يستمتع فيها الموظفون بإجازات تمكنهم من التزاور مع أرحامهم والتواصل مع أقاربهم، ولم تتجه نيته إلى شي من ذلك- فلا حرج، لأن القاعدة فيما لم يرد نصٌّ في النهي عنه لذاته من أمور العادات: أنه لا تشبُّه إلا بنية، ويحسن في هذه الحالة القصد إلى شيء من المخالفة في الطعام والهيئة توقيًا لمحظور المشابهة.
ونسأل الله العافية للجميع، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   03 العقيدة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend