لقد تعوَّدنا من هذه الصحيفة على المصداقية، فمنذ أكثر من أسبوعين أرسلت بالسُّؤال التالي ولكن للأسف لم تتم الإجابة عليه، والسُّؤال هو:
لقد قرأت في أحد الردود على سؤالٍ أرسله قارئ بأن اللهَ لا يُنزل البلاء إلا بذنب.
والسُّؤال: ما هو ذنب المريض الذي أنزل الله به مرضًا من دون أن يرتكب أيَّ إثم؟ وهل ابتلاء الله لسيدنا أيوب بالمرض كان نتيجة ذنب ارتكبه هذا النبي الصبور؟ نرجو الإجابة وشكرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فجزاكم الله خيرًا على ثقتكم بالصحيفة وبالقائمين عليها، ونرجو أن تتقبَّلوا اعتذارنا عن التأخُّر في الرد لكثرة ما يتدفَّق من استفتاءات تنوء بها كواهل العُصْبة أولي القوة! فكيف إذا كان المسئول عنها فردًا واحدًا؟! فسلوا الله لنا العون.
أما بالنِّسْبة لسؤالك فإن البلاء كما يكون عقوبةً على ذنب يكون رفعةً في الدرجات ومضاعفة للحسنات، وكلٌّ بحسبه، ولكن المسلم يتهم نفسه دائمًا بالتقصير، سواء أتمثَّل هذا التقصير في ذنب من الذنوب، أم تمثل في غفلةٍ عن ذكر الله عز وجل ، أم تمثَّل في التقصير في شكر نعمة من النعم، ولا ينفكُّ العبد في الأعم الأغلب عن واحدة من هذه، فيُمحِّصه الله بهذا البلاء ويخلصه به من شوائبه، والأصل كما ذكرنا أن يتهم المسلم نفسه وأن يرجع إليها بالملامة كلما نزلت به نازلة فيُفتش في نفسه عن أسبابها، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165].
أما بالنِّسْبة للأنبياء والمصطفَيْنَ الأخيار من عباد الله فإنهم أشدُّ النَّاس بلاءً كما أخبر بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم (1)؛ لأن اللهَ جل وعلا يريد أن يُعلي مقاماتهم وأن يرفع من درجاتهم ليبلغوا المنزلة التي سبقت لهم بها من الله الكرامة، فالبلاء كما يكون عقوبة على ذنب يكون رفعة في الدرجات وعلوًّا في المقامات. ونسألُ اللهَ لنا ولكم التَّوفيق والسَّداد. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في الصبر على البلاء» حديث (2398) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». وقال: «حديث حسن صحيح».