كان عندي قطٌّ ربيته منذ ولادته، لكن بعد أن كبر أصبح يريد الخروج خارج المنزل للعب مع قطط الحي، فكان كل ليلة يخرج وفي الصباح الباكر يرجع للبيت، إلا عندما كنا نسمع نباح الكلاب بالخارج لم أكن أتركه يخرج رغم موائه الكثير، وكعادتي كنت أنتظر موائه على الساعة السادسة ونصف صباحًا لأفتح له باب المنزل؛ إلا أنه لم يأت، وعندما نظرت إليه من الشُّرفة لمناداته وجدته ميتًا بالأرض والدم خارج من فمه، وفخذه مجروح، (أظن أن سيارة دهسته)، لم أستطع تحمل وفاته وضميري يؤنبني لأنني لو لم أتركه يخرج لما مات.
هذه هي الوقائع حضرة الدكتور فما رأيك هل عليَّ ذنب بوفاة قطي لأنني لم أحمه كما ينبغي؟ وما هي كفارتي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من استرعاه الله شيئًا من هذه الدواب، بأن كانت في حِرزه، وفي حوزته لحاجته فيجب عليه أن يحميها ويطعمها ويسقيها، وأن يمنعها من التعرض للهلاك، ففي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخبر أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض(1). أي حشراتها.
فالرفق شعبةٌ من شعب الإيمان، وهو طابع يطبع المسلم في تعاملاته جميعًا، مع الإنسان أو مع الحيوان، فإن الله تعالى قد أمر بالرفق في كل شيء، ففي الحديث: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»(2).
وفي حديث جرير رضي الله عنه عند مسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْـخَيْرَ»(3).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فانطلق لحاجته فرأينا حُمَّرَةً(4) معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرَةُ فجعلت تَفَرَّشُ(5)، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». ورأى قريةَ نمل قد حرَّقْنَاها فقال: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قلنا: نحن. قال: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ»(6).
فإذا كنت قد استشعرت شيئا من التفريط تجاه القط، فتوبي إلى الله عز وجل، وربك يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات(7). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المساقاة» باب «فضل سقي الماء» حديث (2365)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان» حديث (2242)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» باب «إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم» حديث (6927)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «فضل الرفق» حديث (2593)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «فضل الرفق» حديث (2592) من حديث جرير رضي الله عنه.
(4) طائر صغير كالعصفور. «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (7/240).
(5) جاء في «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (7/240): «قال في اللمعات: بفتح التاء وضمِّ الراء من: فرَش الطائرُ إذا فرش جناحيه، وبفتحها وتشديد الراء أي تَفرَّش، فحذف إحدى التاءين، أي ترفرفت بجناحيها وتقربت من الأرض. انتهى. قال الخطابي: قوله: تفرش أو تعرش معناه ترفرف، والتفريش مأخوذ من فرش الجناح وبسطه. والتعريش أن ترتفع فوقهما وتظلل عليهما. انتهى».
(6) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في قتل الذَّرِّ» حديث (5268). وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 354) وقال: «إسناده جيد».
(7) قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [الشورى: 25].