القصص والروايات الخياليَّة

فضيلة الشيخ حفظك ربي ورزقك الجنة.
أنا أحب جدًّا قراءة الروايات والقصص، وفي بعض الأحيان أكتب قصصًا من وحي خيالي وأضعها على الفيس بوك في إحدى الصفحات التابعة لي، أكتب أنها قصة، ولكن لا أكتب أنها من وحي الخيال. فهل أنا بذلك أكذب؟
هل في كتابة القصص شيء محرم؟
هل إذا كانت القصص للموعظة وكشف الحقائق أمام الشباب والبنات ولكنها ليست واقعًا تكون كذبًا؟
هل إذا كانت القصص بها أن فتاة خرجت مع شاب وحدهما، ولكن في نهاية القصة يحصل أن يكون هذا التصرف خاطئًا، هل في ذلك حث الشباب على شيء من الفجور كون أنهم يخرجون وحدهم مع بعض بدون محارم؟
أرجو الرد؛ لأني في حيرة من أمري، هل قراءة القصص فيها شيء من الحرمة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن القصص والروايات الخياليَّة لا يراد بها التحديث بوقائع، وإنما الحض على أمر أو التنفير منه، وقد وقع الخلاف في مشروعية هذه الروايات، ولكن الأظهر في مثل ذلك الجواز، وأنه مما يجوز في التعليم والبيان، إذا كانت الرواية هادفة تدعم الفضائل، وتنفِّر من الرذائل، وتعلِّم الناس الخير في هذا القالب الروائي.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 21 – 24].
فمن المعلوم أن الملائكةَ ليس لهم نعاج، وأنه لا يظلم بعضهم بعضًا، وقد تسوَّر هذان الملكان المحراب على داود فدخلا عليه في المسجد وهو مغلق، فذكرا له هذه القصة تحصيلًا لمنفعة التدريب على القضاء(1).
أما القصص التي تثير الغرائز وتزين الفجور وتشيع الفاحشة، فلا يخفى تحريمها، وأنها من جنس إشاعة الفاحشة، والتعاون على الإثم والعدوان.
أما عن شبهة الكذب التي قد يعترض بها على مثل هذه القصص والروايات، فلا يخفى أن الكذب إنما هو إيهام السامع بما يخالف الحقيقة، عمدًا كان هذا الإيهام أو خطأ.
ولا شك أن الأمر في باب الروايات مختلف، فالقرائن القطعيَّة التي تعارف عليها الناس اليوم تقضي بانتفاء الوهم عن كل مَن يقرأ القصة مِن الصغار والكبار، فهم جميعًا يُدرِكُون أن أحداثها مخترعة، وشخصياتها مبتكرة، وأنها من جنس ضرب الأمثال وليست من الحقيقة في شيء.
وفي تاريخنا كانت المقامات، ومن بينها مقامات بديع الزمان الهمَذانيِّ، وقد شاعت هذه المقامات، وكانت مما يتداول ذكره في المجالس، ويستأنس بما فيها من بديع اللفظ والمعنى، ويَنسج على منوالها الأدباءُ والكتاب في القديم والحديث. ولم يعترض عليها من أحد من أهل العلم.
وللشيخ ابن عثيمين فتوى بجواز هذا النوع من القصص والروايات. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) قال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص: 21 – 24]

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   14 متنوعات

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend