اليأس والقنوط بين الخوف والرجاء من الله سبحانه وتعالى

فضيلة الشيخ أنا شخص من متتبعي حلقات دروسك في المسجد وأرتاح كثيرًا عند السماع لدروسك، أنا هنا لغرض الدراسة، مرَّت عليَّ مواقف صعبة بطبيعة الحال وخصوصًا أنها السنة الأولى، وقد أنقذني الله تعالى من عديد المحن والمصاعب بفضل الدعاء وحسن النية ولله الحمد، مشكلتي أنني ضعيف أمام الشهوات إذا كنت في محنة أخضع وأتضرع لله وأدعو ليل نهار وإذا انجلت الغمة وجد الشيطان بابًا لإغوائي وتضييعي، ومما يؤلمني كثيرًا ويجعلني أصل إلى مرحلة العزلة التامة وحتى ضرب نفسي (جبهتي)، هو إنني أدرك أن اللهَ وحده قد خلصني من ابتلاء عظيم من غير حول مني ولا قوة وقد رزقني وأمدني بأشياء أعي وأدرك تمامًا أني ما كنت بقادر على نيلها لولا كرم الله عز وجل، ومع ذلك في وقت اليسر أعصيه وأتعدى حرماته بسبب الشهوة، وقد وصلت إلى حال سيء من تأنيب الضمير والتفكير من أني خارج رحمة الله، وأني جاحد وناكر لفضل الله، وأني ضعيف وقليل الصبر، فوالله بعد ما رأيت العجب العجاب من كرم الله في تذليل الصعاب والحفظ من المهالك والرزق ولا زلت أعصيه أني أعترف أن شيطانًا مسلطًا عليَّ ليحيدني عن الصراط، وأحيانًا كثيرة يغلبني إن لم أقل دائمًا، أنا مواظب على أذكار الصباح والمساء والصلاة في وقتها ولله الحمد، مشكلتي في صلاة الفجر كنت أستيقظ لها ولكن في الفترة الأخيرة أصابني الكسل الذي أستعيذ بالله منه دائمًا، لقد ترددت كثيرًا قبل أن أبعث رسالتي لخوفي من أن اللهَ لا يُحب أن يُسأل غيره، أعني من باب عدم الصبر على ما أنا فيه والتذمر، فوجدت أن أرسل رسالتي هذه لأسألكم عن طريق أحمي نفسي به من ضعف النفس ووساوس الشيطان لأحفظ الأمانة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الذي تشعر به من علامات العافية إن شاء الله! فإن «النَّدم تَوْبَةٌ»(1)، وإن النفس اللوامة هي التي تلوم صاحبها على تفريطه في جنب الله تعالى، وتقصيره في ذكره وشكره؛ فإن كنت يا بني عزبًا فاذكر وصية نبيك صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(2)، ولا يزال لسانك رطبًا بذكر الله(3)، وبالضراعة إليه أن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يجعلك من عباده المخلصين، واجتنب الوحدة ما استطعت، واتخذ لك يا بني رفقة صالحة تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك على ذكره إذا ادَّكرت، ولا تقنط من رحمة الله أبدًا مهما ضعُفتَ وعاودتَ بعض ما تُبت منه من الذنوب، فلا تزال أبواب التوبة مفتوحة ما دُمتَ تعلم أن لك ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، وأبشرك بهذا الحديث شريطة ألا تتكل عليه وتفرط في العمل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه – عز وجل – ، قال: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فقال: اللهم اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فقال: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فقال: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لك»(4).
فجدد التوبة دائمًا ولا تستحِسر فتنقطع عن الدعاء والضراعة(5)، وكن دائمًا بين الخوف والرجاء، ترجو رحمة الله وتخاف ذنوبك، وأرجو أن ترى من لطائف ربك ما لم يكن يخطر لك على بال. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 422) حديث (4012) ، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».

(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «من لم يستطع الباءة فليصم» حديث (5066) ، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه» حديث (1400) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(3) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (4/ 188) حديث (17716) ، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في فضل الذكر» حديث (3375) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله». وقال الترمذي: «هذا حديث حسن».

(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «التوحيد» باب «قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15]» حديث (7507) ، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب» حديث (2758) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5) فقد أخرج مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي» حديث (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَـمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَـمْ يَسْتَعْجِلْ». قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 التوبة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend