شيخنا الجليل، حفظك الله وبارك الله لك في علمك وزادك إيمانًا وتقوى.
إذا ارتكبت ذنبًا ما ولكني تبت منه والحمد لله، ولكني لا أشعر بالندم، وأعرف أن شعوري بالندم من شروط التوبة. فهل قُبلت توبتي؟ وكيف أشعر بالندم مع العلم بأنني لم أعد إلى هذا الفعل مرة أخرى مطلقًا والحمد لله؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الندم يا بنيتي أحد أركان التوبة(1)، وافتقاده ينبئ عن ضعف في هذه التوبة، وحاجتها إلى مزيد من الرعاية والتعهد، والشعور بالندم يجلبه يا بنيتي الحياء من الله تعالى عند مشاهدة نعمه التي لا تحصى من جهة، ومشاهدة تفريطنا في جنبه جل وعلا وجرأتنا على ما يسخطه من جهة أخرى، كما جاء في دعاء سيد الاستغفار: «أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ»(2).
ويستجلب كذلك من استحضار الإحساس بمراقبة الله تعالى لنا في كل حين، وجرأتنا على مخالفته مع علمنا باطلاعه علينا، وإحاطته بنا، وكتابة ملائكته ما نتورط فيه من سوء.
فكيف نستحيي إذا استشعرنا مراقبةَ مخلوقٍ لنا، ولا نستحيي من الله الذي يراقبنا في كل وقت وحين؟!
كيف نجعله أهونَ الناظرين إلينا وهو الذي يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؟!
ثم يأتي كذلك بمداومة الذكر، ومجالسة الصالحين، والقراءة في سيرة العباد والنساك، فكل هذه العوامل مجتمعة تعينك على تحصيل المقصود.
وأسأل الله لك الهدى والتقى. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (1/422) حديث (4012)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود؛ أن النبي ﷺ قال: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الدعوات» باب «أفضل الاستغفار» حديث (6306) من حديث شداد بن أوس.