ادعاء التناقض في الدين بالعمل بالأحوط

لا زلت أشكرك على كثرة اهتمامك الديني بنا ومساندتك لنا وعلى كل وقتك.
أمر ما يجولُ بخاطري وهو بالأحرى تناقضٌ أراه في الدين، فأرجو منك بيانَه كي يهدأ لي البال، والأمر كالتالي:
١- هناك من قال بوجوب اتقاء الشبهات، هل المقصود من الكلام هو وجوب اتباع الأحوط في كل خلافٍ فقهي ووجوب تركِ المكروه؟
٢- معروف في الدين أن الأمور طاهرة أو مباحة ولو أردنا أن نقول على أمر ما أنه حرام أو نجس فيجبُ أن يكون هناك دليلٌ على ذلك، وهذا يناقض ما قاله الأشخاص الذين يُوجِبُون اتقاء الشبهات.
فمثلا نازلتي هي أنني أتبع طهارة الكحول لشدة الوسوسة وآخذ بعدم انتقال النجاسة المبللة للمكان الجاف، وهنا الخلاف معتبر. فهل يجب اتباع الطهارة والحل أم يجب اتباع قول من قال بوجوب اتقاء الشبهات؟ وما هي الشبهات؟
وهل من قال بوجوب اتقاء الشبهات يعني كلامهم وجوبَ اتباع الأحوط؟وهل يأثم من ترك الأحوط؟ وهل حينها يجب على المكلف أن يتبع الأشد من الأقوال ولن يبطل نكاحه رغم أن الحرمة غير مؤكدة؟ فهنا قد نحرم أمورًا كثيرة هي حقيقة مباحة وقد تنجس أشياء هي أصلًا طاهرة. فما هو القول الفصل في هذه المسألة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
ففي كل مرة أقرأ ما تكتب أدعو الله لك أن يمسح عليك بيمينه الشافية وأن يجمع لك بين الأجر والعافية، وتزداد قناعتي أن أزمتك طبية وليست فقهية!
أليس عجيبًا أن تبدأ رسالتك في وصف ما أثرته من استفتاءات بقولك: «وهو بالأحرى تناقض أراه في الدين»؟! هل يجرأ على مثل هذا القول رجلٌ عقله سويٌّ وفطرته سوية؟!
إن التناقض يكون في الأذهان البليدة، وليس فيما أنزله الله على نبيه من الدين، فأفق وانتبه واعرف ما تقول!
لم يقل أحدٌ بوجوب اتباع الأحوط إلا أنتم في هذه الرسالة، وإنما يقولون: يندب المكلف إلى العمل بالأحوط خروجًا من الخلاف، وبالتالي فلا يأثم من ترك الأحوط؛ لأن المندوب يُثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
والخلاف منه ما هو معتبرٌ ومنه ما ليس بمعتبر، والطريق إلى التفريق بينهما سؤال أهل الذكر، ومن كان من العامة ففرضه أن يسأل من يثق في دينهم وعلمهم من أهل الفتوى فيريح ويستريح!
أما القول الفصل في هذه المسألة فهو إنه إذا استمرت بك هذه الوساوس فينبغي لك الذهاب إلى عيادة نفسية التماسًا للعلاج، «فَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهَلَهُ مَنْ جَهَلَهُ»(1).
ومرة أخرى: نسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 413) حديث (3922)، وابن ماجه في كتاب «الطب» باب «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» حديث (3438) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 50) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».

تاريخ النشر : 23 يونيو, 2025

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend