هل يجوز أن أكره والدي؟

أصحاب الفضيلة العلماء، أرجو من فضيلتكم إفادتي في هذه المشكلة:
المشكلة بيني وبين أبي؛ منذ التزمت وأعفيت لحيتي ضغط عليَّ كثيرًا كي أحلقها، ثم منع أصحابي من دخول البيت، ثم منعني من أن أصادق بعض الشباب في الحي، علمًا بأن عمري وقتها كان 21 عامًا.
ومرة وجدت كتابًا في الفقه يدرس في الأزهر ملقى في الشارع وممزقًا، فأخذته ووضعته في حقيبتي وعندما عدت إلى البيت- وكان من عادة أبي أن يفتش حقيبتي- فلما رأى الكتاب الممزق قال: إيه يا ابني أنت بتجيب لنا الزبالة من الشوارع! وهو يعلم أنه كتاب ديني. فقلت: كلام الله ورسوله زبالة؟! فقال: أيوه زبالة!
ومرة قال لي: لا تمش مع ابن فلان (جارنا)- و ذلك حتى لا أدعوه للالتزام- فقلت: لماذا؟ فقال: هو كده. فقلت: في شرع مَن هذا؟ فقال: في شرع أبي.
هذا ليس كل شيء، كان يستهزئ من الإخوة الملتزمين ويسخر منهم، مع أن منهم إخوة في مثل عمره وهم جيرانه أيضًا.
ومرة أخذ المنبه من جانبي وأنا نائم حتى لا أصحو لصلاة الفجر.
وآخر أحداث هذه المعاناة هو أنه دبَّر لي مكيدة كي يتم اعتقالي من قبل السلطات الأمنية في مصر، ولكني نجوت بفضل الله .
الآن أصبح عمري 25 عامًا، وأنا أكرهه وأبغضه لما سبب لي من الأذى في نفسي وديني، لا أستطيع أن أحبه أو أشعر به كأب، أصبحت أشعر أنه عدوي، خاصة بعد حادثة الاعتقال، وكل يوم أحاول أن أجد سبيلًا كي أؤمن نفسي ضد غدره بي.
عندما أقرأ النصوص التي تتضمن الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما أقول لنفسي: هذا الرجل استهزأ بديني وبكلام الله ورسوله وحاربني في التزامي ولم يكتف بذلك، بل نصب لي فخًّا ليتم اعتقالي. ومن وجه آخر أمي تتعذب؛ فهو يظلمها ويُسيء معاملتها، وهي تريد أن يصبح البيت مستقرًّا وهادئًا.
هل يكون أبي باستهزائه منافقًا؟ وهل يسقط حق بره بذلك؟ هل يجوز لي الدعاء عليه؟ وأحيانًا تحدث بيننا مشادات كلامية وقد أرفع صوتي عليه، هل أكون بذلك عاقًّا له؟
أرجو من فضيلتكم إفادتي ونصحي مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة أو فعل من أفعال سلفنا الصالح؛ حتى أجد شيئًا أقتدي به في مثل هذا الموقف. وجزاكم الله عنا كل خير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
نحن نعيش يا بني في زمن كثرت فتنه وعظم بلاؤه، وأحسب أن موقف والدك هذا ليس بغضًا للدين ولا عداوة لله ورسوله، وإنما هو ضحية لتغريرات إعلامية وضغوط أمنية، فهناك شبهة الجهالة وسوء التأويل والإكراه تكتنف تصرفات أبيك وتلزمك بالرفق به والإحسان إليه، فضلًا عما يجب له بصفة عامة من البر والإحسان الذي تعبد الله به الأبناء في علاقتهم بآبائهم، حتى وإن كانوا في مقام مجاهدتهم على أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15].
يا بني لا تكره أباك ولا تدع عليه! بل ارفق به واصبر عليه! وادع له والتمس له عذرًا، ولعل الله أن يقذف في قلبه الهدى وأن يجعل له من عواصف الفتن ومُدلَـهِمَّاتها مخرجًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend