شيخي الفاضل، أنا طالب في الجامعة، ولدينا معلمة كبيرة في حدود الستينيات من العمر، ويوم أمس بعد انتهاء الحصة الدراسية مدت يدها لمصافحتي فصافحتها وأنا في حرج شديد، فهل يجوز مصافحة مَن في سنها؟ وإذا كان حرامًا ماذا أخبرها إذا عاودت الكرة؟ بارك الله فيك شيخي الفاضل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ تحريم مصافحة المرأة الأجنبيَّة؛ لما رواه الشيخان عن عائشة ل قالت: ما مسَّت يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط إلا امرأة يملكها.
وفي «الموطأ»، و«سنن النَّسائي»، و«مسند أحمد»، عن أميمة بنت رقيقة مرفوعًا: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ».
ولا يصح أن النبي ﷺ صافح امرأة أجنبيَّة، لا مباشرة ولا من وراء حائل، وقد رُوي عن عمر في ذلك في أمر البيعة، رواه أبو داود وابن حِبَّان، وهو غير صحيح(1).
أما إذا كانت المرأة كبيرة مُسنَّة من القواعد من النِّساء، اللاتي لا يرجون نكاحًا، وليس فيها ولا عليها فتنة، كما ورد في السُّؤال، فإن للعلماء في مصافحتها قولين:
أولهما: قول الحنفية(2) والحنابلة(3)، وهو منصوصُ أحمد، والمذهب أنه يجوز، واستدلوا بما رُوي أنه ﷺ كان يصافح العجائز، ولا يصافح الشوابَّ(4)، ولا يصح، كما استدلوا بما روي عن أبي بكر أنه كان يصافح العجائز. انظر «نصب الراية»(5). وما رُوي عن الزبير أنه اتخذ عجوزًا تمرضه «نصب الراية»(6)، والله أعلم بذلك.
ولأن الحرمة إنما كانت لخوف الفتنة، فإذا كانت المرأة ممن لا يُشتهى، فخوف الفتنة معدوم، واستدل بعضهم بقوله تعالى: { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60]
وفي المسألة قول آخر للمالكية(9) والشَّافعية(10): أنه يحرم مس الأجنبيَّة، من غير تفرقة بين الشَّابة والعجوز، نظرًا لعمومات النصوص، ولعل القولَ الأوَّل أظهرُ مستندًا وأرفق بالمُكلَّفين، وأدفع للحرج في واقعنا المعاصر. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/85) حديث (20816)، وابن خزيمة في «صحيحه» (3/112) حديث (1722)، من حديث أم عطية ل، قالت: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم بعث إليهن عمر بن الخطاب، قام على الباب فسلم، فرددن رضي الله عنه ، فقال: أنا رسول رسول الله إليكن، قلنا: مرحبا برسول الله، ورسول رسول الله، قال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصينه في معروف؟ قلنا: نعم، فمددنا أيدينا من داخل البيت، ومد يده من خارج البيت، ثم قال: اللهم اشهد.
(2) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (10/152-155): «فإذا كانت عجوزا لا تشتهي فلا بأس بمصافحتها ومس يدها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز في البيعة ولا يصافح الشواب ولكن كان يضع يده في قصعة ماء ثم تضع المرأة يدها فيها فذلك بيعتها. إلا أن عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا الحديث وقالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مس امرأة أجنبية فقد أعظم الفرية عليه وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان في خلافته يخرج إلى بعض القبائل التي كان مسترضعا فيها فكان يصافح العجائز ولما مرض الزبير رضي الله عنه بمكة استأجر عجوزا لتمرضه فكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه ولأن الحرمة لخوف الفتنة فإذا كانت ممن لا تشتهى فخوف الفتنة معدوم وكذلك إن كان هو شيخا يأمن على نفسه وعليها فلا بأس بأن يصافحها وإن كان لا يأمن عليها أن تشتهي لم يحل له أن يصافحها فيعرضها للفتنة كما لا يحل له ذلك إذا خاف على نفسه».
(3) جاء في «مطالب أولي النهى» من كتب الحنابلة (1/942-943): «(وحرم مصافحة امرأة أجنبية شابة)، أي: حسناء، لأنها شر من النظر إليها، أما العجوز غير الحسناء فللرجل مصافحتها، لعدم المحظور».
(4) «المبسوط» للسرخسي (10/154).
(5) «نصب الراية» للزيلعي (4/240).
(6) «نصب الراية» (4/240).
(7) جاء في «حاشية الصاوي» (4/760): «ولا تجوز مصافحة الرجل المرأة ولو متجالة (مسنة لا أرب للرجال فيها)».
(8) جاء في «البجيرمي على الخطيب» من كتب الشافعية (3/385-386): «قوله: (وتسن مصافحة) أي عند اتحاد الجنس، فإن اختلف فإن كانت محرمية أو زوجية أو مع صغير لا يشتهى أو مع كبير بحائل جازت من غير شهوة ولا فتنة».