قطع الرحم الظالمة

مات أبي وأنا صغيرة لم أبلغ، وأكل عمي حقي في الميراث، وأنا الآن أم، وما زالت أمور القضاء بيننا، وأنا فوَّضت أمري لله، وهو مصمِّم على أخذ حقي، وأنا لا أجد شيئًا طيبًا يشفع له عندي؛ لأنه ظالم، ومرض مرضًا عاديًّا، فقالت لي أمي: اطمئني عليه. قلت لها: والله الذي لا إله إلا هو لا أقدر نفسيًّا، الأمر صعب عليَّ جدًّا؛ لأن الله لا يحب الظلم، ومن عمي الذي عليه أن يرعاني! فهل عليَّ إثم؟ فالله لا يكلف نفسًا إلا وُسعها، وماذا أفعل حفظكم الله؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فنقدِّر يا بُنيَّتي شعورك بمرارة الظلم الذي لحق بك، ونسأل الله أن يطيب خاطرك وأن يجبر كسرك، وأن يردَّ عمك إليه ردًّا جميلًا، ولكن ما أجمل يا بنيتي أن نعفو عمن ظلمنا، أو أن نقابل إساءته بإحسان، ألم يقل الله جل وعلا: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾} [فصلت: 34]؟ ألم يقل الله لأبي بكر رضي الله عنه  عندما أقسم على عدم صلة مسطح لتخوضه في عرض ابنته عائشة ل:{﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾} [النور: 22] فقال أبو بكر: بل نحب يا ربنا. وعاد إلى صلته(1).
تذكَّري يا بنيتي قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]. وقول الشاعر في تصويره لهذا المشهد عندما ينادى يوم القيامة:

  • أين الذين على الرحمن أجرُهمُ
  •  فلا يقومُ سوى العافي عن الناسِ

 

أسأل الله أن يجبر كسرك، وأن يطيب خاطرك، وأن يردَّنا جميعًا إليه ردًّا جميلًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «حديث الإفك» حديث (4141)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «في حديث الإفك وقبول توبة القاذف» حديث (2770) من حديث عائشة.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend