غِيبة الفاسق المجاهر بفسقه

ما يحدث على الساحة الإسلامية والعربية من أحداث، وما يقال في التلفاز، وما يُكتب في الصحف من سرقات للمال العام من قِبل الأنظمة الحاكمة والمسئولين مما يجعل الإنسان يقول «الحرمية المجرمون سرقوا مال البلد» إلى آخره من الكلمات، وأحيانًا يُحدَّد شخصٌ بعينه من المسئولين وينزل عليه كمًّا من الكلمات المعبرة عن السخط عليه، والناس تتكلم بهذا الكلام لِـمَا ترى وتسمع.

فهل هذا يُعَدُّ من الغِيبة، أم يدخل في ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: 148]؟
وترى بعضَ الناس يقول: سيدنا عمر عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي فقال: أكلني الكلب. كما في «البخاري»(1)، وسيدنا عمر الذي قيل في حقه: «إن تطيعوا أبا بكرٍ وعمر تَرْشُدُوا»(2). فما رأي فضيلتكم؟ وما الضابط في الكلام فيما يحدث؟ وجزاكم الله خيرًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «قصة البيعة» حديث (3700).
(2) أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (1/182)، والبيهقي في «الكبرى» (8/153) من حديث أبي قتادة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الفاسق المجاهر بفسقه لا غِيبة له فيما جاهر به، ومن الأدلة على ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خيرًا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : «وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ». ومر بجنازة فأُثنِي عليها شرًّا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : «وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ». قال عمر: فِدًى لك أبي وأمي؛ مر بجنازة فأُثني عليها خيرٌ فقلت: «وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ». ومر بجنازة فأُثني عليها شَرٌّ فقلت: «وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْـجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الْأَرْضِ»(1).
ولم يُنكر عليهم ثناءهم على الجنازة شرًّا، والتي علموا فسق صاحبها، فدلَّ ذلك على أن مَن أظهر الشرَّ لا غِيبة له.
ولكن ينبغي القصدُ في ذلك، والاقتصار فيه على مواضع المصلحة والحاجة، والاشتغال بما ينفع المرء في دينه ودنياه، فإن الأصل في الغيبة التحريم، وإنما تجوز في مواضع محدودة للحاجة الداعية إليها في هذه المواضع، كالتظلم والتعريف والتحذير والاستفتاء والاستعانة على إزالة منكر. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجنائز» باب «ثناء الناس على الميت» حديث (1367)، ومسلم في كتاب «الجنائز» باب «فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى» حديث (949)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend