حول كفالة الله من عاش على الخير أن يموت عليه

وَقَعَتْ في منطقة الهرم بمصر حادثةُ قتل بشعة راح ضحيتها شيخٌ قعيد وزوجته المنتقبة، ويروي الجاني الجريمة معترفًا أنه اغتصب الزوجة عدة مرات بعد أن جرَّدها تمامًا من ثيابها.
والسؤال هو: هذه السيدة عاشت حياتها كلها ساترة كل جسدها متصفة بالطهر والعفاف، كيف تكون نهايتها بهذه الطريقة البشعة وهتك سترها وعرضها بهذه الطريقة اللاإنسانية؟ أليس اللهُ قد تكفل لمن عاش على الخير أن يموت عليه؟ أرجو التوضيح والبيان؛ لأن المسألة تمثل إشكالية كبيرة عند كثير من الناس؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فبين يدي الحديث عن هذه النازلة المروِّعة يحسن التأكيد على جملة من الثوابت لا ينبغي أن يختلف فيها ولا أن يختلف عليها:
• منها أن الله جل وعلا لا يُسأل عما يفعل، فهو الفَعَّال لما يُريد(1)، وما من الناس من أحدٌ إلا ويُريد ما لا يفعل أو يفعل ما لا يريد، ولكن الفعال لما يريد هو الله رب العالمين.
• ومنها أن الله لا يظلم مثقال ذرة(2)، وأنه قد حرَّم الظلم على نفسه وجعله محرَّمًا بين عباده(3).
• ومنها أن أفعاله جل وعلا جارية على وفاق حكمته، فهي لا تنفك عن الحكمة، كما أنها لا تنفك عن العدل، أدرك ذلك من أدرك وحجب عن ذلك من حجب.
• ومنها أن الإكراه الملجئ يرفع الإثم ويرفع التبعة، فمن وقع تحت تأثير إكراه مُلجئٍ أفقده القدرة والاختيار فلا يُسأل عما يصدر عنه نتيجة لهذا الإكراه، وقد كان العرب في الجاهلية يُكرهون فتياتهن على البغاء ليستكثروا بذلك من عَرَض الدنيا، فقال تعالى:﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 33] فحرم إكراههن، وأعلن أن هذا الإكراه عذر يشفع لهن بين يديه.
• ومن الناس من تسبق له من الله الحسنى ويقدر له الله منزلةً في الجنة لا يبلغها بعمله، ولكن يبلغها بما يعرض له من البلاء، واعتبِر بما جرى للحُسين ومن كانوا معه من آل بيت النبوة، فلم يكن ما نزل بهم من البلاء لهوانهم على الله عز و جل ، وإنما ليبلغوا المكانة التي سبقت لهم في علم الله عز و جل ، ولعله تقاصرت دونها أعمالهم أو أعمال بعضهم.
• فاعتبر بهذه المقدمات، ولا يكن في صدرك حرج من قضاء الله عز و جل ، وعند الله يجتمع الخصوم. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) قال تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، وقال: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 16].

(2) قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 40].

(3) ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب «البر والصله والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (4674) من حديث أبي ذر رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: قال الله رضي الله عنه : «إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَـمُوا».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend