حدود معاملة السجناء المسلمين مع غير المسلمين

هل يجب على السجناء المسلمين أن يطعموا أو يكونوا أصدقاء لغير المسلمين؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الواجب على المسلم أن يخالق الناس بخلق حسن، حيثما كان، داخل السجن أو خارجه، في بلاد المسلمين أو خارج بلاد المسلمين.
فقد بعث النبي ﷺ ليتمم مكارم الأخلاق(1)، وإن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم(2).
وأول بركات حسن الخلق أنه يفتح لصاحبه مغاليق القلوب، ويؤلف عليه النفوس فتصغي إليه وتقدر منهجه ودعوته، ويكون ذلك طريقًا قاصدًا لقبولها للإسلام أو لحسن الظن به وعدم معاداته على الأقل.
وقد أمرنا الله عز و جل  بالبر والقسط بالمسالمين لنا من غير المسلمين، فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
وقد أوصانا الله ورسوله ﷺ بالجار ولو كان من غير المسلمين، فقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
والجار الجنب في بعض أوجه تفسيرها: هو الجار غير المسلم.
وكلنا يعلم قصة اليهودي الذي كان يؤذي النبي ﷺ وكان يرفق به ويحسن إليه ولا يقابل إساءته بمثلها، وكان ذلك سببًا في إسلامه.
فالذي نوصي به هو حسن الخلق، فهؤلاء لهم حق الجوار وحق الدعوة، فحق الجوار يقتضي الإحسان إليهم، وحق الدعوة يقتضي الصبر عليهم ومداراتهم وتألف قلوبهم بالإحسان إليهم والتجاوز عن هفواتهم.
ولله در القائل:

  • أَحسِنْ إلى الناس تستعبدْ قلوبهمُ
  •  فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ(3)

 

ولا تعارض بين هذا الذي نقول وبين الولاء الذي جعله الله وقفًا على أهل الإسلام وحدهم، فإن الموالاة المحرمة شيء وحسن الخلق الواجب والمأمور به شيء آخر.
وعلى هذا فلا بأس بإطعام رفقاء السجن من غير المسلمين، فـ «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»(4).
ولا بأس بالإحسان إليهم تألفًا لقلوبهم على الإسلام واستمالة لها على محبة الله ورسوله ﷺ.
أما ما ذكرت من الصداقة فإن قصد بها حسن الخلق في المعاملة فقد علم حكمه مما سبق.
وأما إن قصد بها ما هو أبعد من ذلك من اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، وخاصة خلطاء يفضي إليهم المرء بمكنون نفسه ويسكن إليهم في مشورته وتدبير أموره دون بقية المسلمين، فهذا الذي حرمه الله ورسوله. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/381) حديث (8939)، والحاكم في «مستدركه» (2/670) حديث (4221) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال رسول الله ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ» وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/188) وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في حسن الخلق» حديث (4798) من حديث عائشة رضي الله عنه ، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ الْـمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ»، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف سنن أبي داود» حديث (4798).

(3) البيت من بحر البسيط، وهو لأبي الفتح البستي.

(4) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «رحمة الناس والبهائم» حديث (6009)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها» حديث (2244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend