بين مداراة سيِّء الخُلُق اتقاء شره وذمِّ ذي الوجهين

كيف نوفق بين حديثي الرسول ﷺ في ذم ذي الوجهين، وعندما أتى رجل إلى رسول الله ﷺ وقال الرسول ﷺ: «ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرِ» من قبل أن يدخل؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد صح ذمُّه ﷺ لذي الوجهين، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: ««إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ»»(1).
وقال الإمام النووي : في بيان معناه: «ذو الوجهين: هو الذي يأتي كل جماعة بما يُرضيها، فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحضُ كذب وخداع وتحيُّل على الاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة»(2).
فالمذموم من ذلك مَن يُزيِّن لكل طائفة عملها، ويقبحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليها ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح»(3).
أما ما جاء في الحديث: من أن رجلًا استأذن على النبي ﷺ، فلما رآه قال: «بِئسَ أخُو العَشِيرِ» و«بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ». فلما جلس تطلَّق النبي ﷺ في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة ل: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله ﷺ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؛ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ»(4) ورواية مسلم: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» تفيد أن تكلم النبي ﷺ في ذلك الرجل كان على وجه الذم؛ لما يتضمنه من مصلحة شرعية، وهي التنبيه إلى سوء خلقه ليحذره السامع.
ولذلك تطلَّق في وجهه وانبسط إليه مداراةً له لا مداهنةً، فما كان من ذلك على سبيل المداراة لنحو اتقاء شر أو تأليف أو إصلاح بين الناس فإنه حسن مرغوب فيه. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأحكام» باب «ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج قال غير ذلك» حديث (7179)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «ذم ذي الوجهين وتحريم فعله» حديث (2526)، من حديث .

(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (16/79).

(3) «فتح الباري» (10/475).

(4) أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «لم يكن النبي ﷺ فحاشًا» حديث (6032).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend