بين الغيبة والاستنصاح والتَّشَكِّي

أنا عندي ثلاثة أسئلة، بعد إذن حضرتك:
1- أريد أن أعرف: مثلًا صاحبة لي تحكي لي عن أمر حدث، ولكن طبعًا بينها وبين شخص آخر، هل هذا يعتبر غِيبة؟ أنا لما أسمع كلامها أقول لها رأيي في الموضوع نفسه، ومن غير غلط في الشخص، لكن أريد أن أعرف: هل كلامنا هذا يعتبر غِيبة ونميمة، أم ماذا؟
2- أريد أن أعرف هل ربنا ممكن فعلًا يغفر أية حاجة للإنسان؟ فلو كان كذلك فإن أي حد سوف يغلط كما يريد ويعيش براحته وبعد ذلك يتوب؟
3- صاحبة لي تتكلم مع ولد، وليسا مخطوبين، ولكن لا يخرجان معًا، ولا يمسك يدها، ولا هذا الجو، بل بالعكس، يحفظان القرآن معًا، ويوقظان بعضهما فجرًا. طبعًا أيضًا هذا حرام، صح؟ فأنا لا أعرف كيف أقنعها؛ لأني كلما أكلمها تقول لي: إنه ملتزم ومتدين، وأهلي وأهله يعرفون. لا أعرف كيف أتصرف؟
جزاك الله كلَّ خير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
1. فإذا كنت لا تعرفين هذا الشخص ولا تربطك به صلة فهذا لا يعد من قبيل الغِيبة، وإذا كنت تعرفينه، وكانت تذكر لك ما جرى معه على سبيل الاستنصاح أو الاستشارة، فلا حرج، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة. ومثل ذلك إذا تفاحش ظلمُ هذا الشخص فكان حديثها على سبيل التشكِّي والتوجع؛ فإنه ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: 148] وإذا كان الشخص مجاهرًا بفجوره وفسقه، فليست له حرمة فيما جاهر به، وذكره به ليس من الغِيبة المحرمة، أما إذا كان لمجرد التسلية وتزجية الأوقات والتفكُّه بالوقوع في أعراض الناس، فتلك الغيبة التي لا تحل.
2. أما سؤالك عن التوبة فنقول: يا بنيتي، إنه لا يعظم ذنب على التوبة؛ فإن التوبة تجبُّ ما قبلها؛ يقول الله جل وعلا: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53] ويقول عز وجل: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 54]. أما الذين ماتوا ولم يتوبوا من ذنوبهم؛ فقد قال فيهم الله جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].

فمن وفقه الله إلى توبة نصوح فقد هُدِي إلى صراط مستقيم. ومن شروط التوبة النصوح التي تجبُّ ما قبلها: إصلاح الماضي بالندم، وإصلاح الحاضر بالإقلاع عن الذنب، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب مرة أخرى، ثم ردُّ الحقوق والمظالم إلى أصحابها.
والتوفيق إلى التوبة يا بنيتي منحة من الله {#emotions_dlg.azz}، فكم من أناس يتقلبون في أوحال المعاصي ولا يستمعون لنصيحة ولا يُصْغُون لنذير، ويموتون بسبب جرعة زائدة من مخدر، أو بسبب تباغض وقع بينهم وبين أقران السوء من أمثالهم، فبغى بعضهم على بعض، فماتوا وهم مصرون على محادتهم لله {#emotions_dlg.azz} ومشاقتهم له، فمن علم الله منهم يا بنيتي أنهم أهلٌ لتوبته عليهم وفَّقهم إلى ذلك، ومن كانوا خلاف ذلك وكلهم إلى أنفسهم، وتركهم في طغيانهم يعمهون.
3. أما عن سؤالك الثالث: فلا توجد خصوصية علاقة بين ذكر وأنثى في الشريعة خارج إطار الزوجية أو المحرمية، وإن أراد لها الخير فليكن تعليمه لها على ملأ من الناس، ومع مجموعة من الفتيات، وليس في لقاءات خاصة، أو مكالمات هاتفية خاصة، إذا هجع السامر وانقطعت السابلة ونامت العيون، وإن كان يريد خطبتها فليأتِ البيوت من أبوابها، وليفاتح أهلها وليخطبها من أبويها خطبةً شرعية، تكون على ملأ من الأهل، وعلى مرأى ومسمع منهم، وليعلم كذلك أن الخطبة وإن تمت لا تُحِل حرامًا في العلاقة بين المخطوبين، فلا تزال المخطوبة أجنبية حتى يعقد عليها، هذا هو الصراط المستقيم، وما سوى ذلك سبل معوجة، وحبائل شيطان وذرائع فتنة.
ونسأل الله لنا ولهم العافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend