بين السعي للحياة الكريمة وحب الدنيا

هل سَعْيُ المسلمين في بلدانهم لتوفير حياة كريمة نظيفة راقية كما هي الحياة في البلدان الغربية والشرقية هو أمر غير مرغوب فيه شرعًا؛ بسبب ما في ذلك من إقبال على الدنيا والانشغال بها عن الحياةِ الآخرة وتحصيلِ الأعمال الحسنة؟
ويحضرني في هذا الأمر ما قاله الرسول ﷺ للناس الذين كانوا يُصلحون بيتهم بأن الأمر أعجل من ذلك(1).
قد يتسبب تجميل بيوتنا وبلداننا لنواكب التطور والجمال في البلدان الغربية في حب الدنيا والتعلق بها. أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

________________

(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/161) حديث (6502)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «ما جاء في البناء» حديث (5235)، والترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في قصر الأمل» حديث (2335)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «في البناء والخراب» حديث (4160) من حديث عبد الله بن عمرو ب قال: مر علينا رسول الله ﷺ ونحن نُعالج خُصًّا لنا فقال: «مَا هَذَا؟» فقلت: خُصٌّ لنا وَهَى نحن نُصلِحُه. فقال رسول الله ﷺ: «مَا أُرَى الْأَمْرَ إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد استعمر عباده في الأرض، أي تعبَّدهم بعمارتها، وأباح لهم طيباتها، ولم يحرم عليهم زينتها إلا ما ورد النص بتحريمه بخصوصه، فقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: 61] وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف: 32].
وفي الأثر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه  قال: كُلْ ما شِئتَ والبس ما شئت، ما أخطأَتْكَ اثنتان: سَرَفٌ، ومخيلة(1).
والتمس ما شِئتَ من أسباب الحياة الكريمة والمَرْكَب الطيب، والدار الواسعة، ما دمت تطرق لذلك أبواب الكسب المشروعة، ولا يصدنك ذلك عما أوجب الله عليك من ذكره وشكره وحسن عبادته، وقد جاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: المَرْأَةُ الصَّالِـحَةُ، وَالمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَالجَارُ الصَّالِحُ، وَالمَرْكَبُ الهَنِيءُ. وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاءِ: الجَارُ السُّوءُ، وَالمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالمَرْكَبُ السُّوءُ، وَالمَسْكَنُ الضَّيِّقُ». رواه ابن حبان في «صحيحه» بسندٍ صحيح على شرط الشيخين(2).
فجعل من السعادة المسكن الواسع والمركب الهنيء، وجعل من الشقاء المركب السوء والمسكن الضيق، ولكن لا ينبغي أن يستغرقك ذلك، ولا يشغلك عما خُلقت من أجله من عبادة الله وحده. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه البخاري معلقًا في كتاب «اللباس» عقب باب « قول الله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } [الأعراف: 32] وقال النبي ﷺ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/171) حديث (24878).

(2) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (9/340) حديث (4032).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend