بين الحسب والكفاية للصالحين وإصابتهم بالضر

هل معنى الحسب والكفاية في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]، وقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36] أن يقضي اللهُ الخيرَ للعبد حيث كان ثم يُرضيه به وإن كان في قالب ضراء، كما قال تعالى: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]؟
وكيف نجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ»(1) وبين أنه سُحِر وقد شُجَّت رباعيته يوم أحد(2)؟ وكذلك ما ورد عن بني إسرائيل أنهم قتلوا أنبياءهم مع أنهم يحفظون الله بالاستقامة على طاعته؟
وما وجه الجمع بين قوله تعالى عن الشيطان:  ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾  [النحل: 99] وبين أن رسول الله سُحِر؟ وأي سلطان أعظم من السحر؟ علمًا بأن وعود الله الكريمة تتفق مع الحكمة من الخلق، وهي الابتلاء، وأن ما يصيب الصالحين من ابتلاء إنما هو لرفع درجاتهم.
ولكن السؤال: أين وعد الله؟ أم أننا نُحمل وعود الله من المعاني ما لا تحتمل؟

__________________

(1) أخرجه أبو داود (2516) بإسناد حسن.

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «ما أصاب النبي ﷺ من الجراح يوم أحد» حديث (4075)، ومسلم في كتاب «الجهاد والسير» باب «غزوة أحد» حديث (1790)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأمورَ أيها الموفق بالخواتيم، والحسب والكفاية للصالحين إنما تكون كما ذكرت في بداية حديثك بأن يقضي الله لهم الخير ثم يرضيهم به ويثيبهم عليه، وإن كان ذلك في قالب ضراء.
إن الله جل وعلا لم يسلم الحسين ولم يتخلَّ عنه عندما تركه يلقى حتفه شهيدًا مظلومًا، بل كان قد سبقت له من الله الحسنى، وسبق في علم الله جل وعلا أن يكون مع أخيه الحسن سادة شباب أهل الجنة، ولم تكن له سابقة في زمن النبوة؛ فقد ترعرع في عز الإسلام وكان طفلًا، فلم يشهد المشاهد مع رسول الله ﷺ، فأصابه من البلاء ما يبلغ به الدرجة الرفيعة التي سبقت له من الله تعالى، فما قضاه الله للحسين كان خيرًا له في العاقبة، وإن بدا في صورة كارثية مروعة في الحياة الدنيا، و«عَجَبًا لِأَمْرِ المُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ»». والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend