بول الولد الصغير

بارك الله فيكم على هذا الجهد، وجعله الله في ميزانكم، أريد أن أسال فضيلتكم:
إذا بال الولد الصغير البالغ ذو العامين على سرواله وجف هل يجوز لي أن أُلبسه له؟ مع العلم أني أحمله كثيرًا. وأيضًا إذا كان البول قليلًا، أي إذا عصر السروال لم ينزل منه شيء، ولكن عند اللمس أو المسك علمت بالبلل.
وهل إذا وصل البلل إلى السرير، يجوز لي النوم عليه، أم يجب الغسل؟ وماذا لو نسيت مكان البلل ونمت عليه وصليت: هل علي الإعادة؟
وما قولكم في مقولة الناس: كل ناشف طاهر، والحكم عليها؟ جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالقاعدة أنه ينضح من بول الغلام ما لم يتغذ بالطعام، فإذا تغذى به فإنه يغسل، وأما الجارية فإنه يغسل بولها مطلقًا طعمت أو لم تطعم.
والأصل في ذلك حديث أم قيس بنت محصن: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَـهَا صَغِيرٍ لَـمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم  فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم  فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ بِالْـمَاءِ، وَلَـمْ يَغْسِلْهُ(1).
وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْـجَارِيَةِ وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَـمْ يَطْعَمْ»(2).
مع مراعاة أنه إذا جف ثوب الغلام فإن النجاسة لا تتعدى منه إليك؛ لأنه لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس، وهكذا لا يضر دخول الحمام اليابس حافيًا مع يبس القدمين؛ لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها.
وإذا وصل البلل إلى السرير، فإن الأصل أنه يغسل موضع النجاسة بغمره بالماء، ولكن لا يلزم عصره وحتُّه، لما في ذلك من المشقة، فعن أبي هريرة قال: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْـمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَـهُمُ النَّبِيُّ: «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»(3).
مع مراعاة ما ذكر آنفًا من أنه إذا جفَّ ولو لم يغمر بالماء، فإن النجاسة لا تتعدى منه إلى من ينام عليه؛ لأن النجاسة لا تتعدى إلا مع رطوبتها.
أما سؤالك حول مدى كون الجفاف مطهرًا؟ أي لو أصابت النجاسة أرضًا، أو فرشًا، أو شجرة، ولم تغسل بل تركت وجفت بالشمس، أو الريح، أو غيرهما فهل تكون طاهرة أو لا؟ فإن الخلاف في هذه المسألة مشهور على قولين:
الأول: وهو للجمهور من المالكية(4) والشافعية(5)- في الراجح من المذهب- والحنابلة(6) وزُفر من الحنفية(7) يرون أن الأرض لا تطهر بالجفاف سواء كان بالشمس أو الريح أو غير ذلك؛ لأن الأصل أن النجاسات تزال بالماء، وما وقع على الأرض نجاسة، فلابد من إزالتها بالماء كسائر النجاسات، ومن أدلتهم على ذلك: ما صح عن أبي هريرة قال: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْـمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَـهُمُ النَّبِيُّ: «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»، وأخرج مسلم نحوه من حديث أنس. قالوا: فأمر النبي أن يصب عليه الماء(8). ولو كان يطهر بالجفاف لاكتفى بذلك.
الثاني: وهو لأبي حنيفة وصاحبيه(9): أن الأرض تطهر بالجفاف في حق الصلاة فقط، ولا يتيمم به في المذهب.
وروي عن أبي حنيفة(10) جواز التيمم، لكنه خلاف المعتمد عند الحنفية، واختار هذا القول ابن تيمية، وحكاه قولًا لأحمد(11)، وأجاز الصلاة، قالوا: لأن الأرض قد زال عنها معظمُ النجاسة، وبقي شيءٌ قليل، فيجعل عفوًا للضرورة؛ ولأن من طبع الأرض أنها تحيل الأشياء، وتغيرها إلى طبعها، فصارت ترابًا بمرور الزمان، ولم يبق نجسًا أصلًا.
ولأن الإنسان في العادة لا يزال يشاهد النجاسات في بقعة بقعة من طرقاته التي يكثر فيها تردُّده إلى سُوقه ومسجده وغيرهما، فلو لم تطهر إذا أذهب الجفاف أثرها للزمه تجنب ما يشاهده من بقاع النجاسة بعد ذهاب أثرها، ولما جاز له التحفي بعد ذلك، وقد علم أن السلف الصالح لم يحترزوا من ذلك. ذكره أبو البركات ابن تيمية.
ومن أدلتهم من الأثر على ذلك:
ما صحَّ عن ابن عمر ب أن الكلاب كانت تُقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله، ولم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك(12).
وما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى؛ فَإِنَّ التُّرَابَ لَـهُمَا طَهُورٌ». وفي لفظ قال: «إِذَا وَطِئَ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ»(13).
وما جاء عن أم سلمة ل أن النبيَّ سُئل عن المرأة تجرُّ ذيلها على المكان القذر ثم على المكان الطاهر فقال: «يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» أخرجه الخمسة(14).
والذي يظهر لنا قوة هذا القول في باب القواعد ويسره ورفقه بالأمة في باب العمل، وأما حديث بول الأعرابي فأجاب عنه ابن تيمية فقال: «هذا يحصل به تعجيل تطهير الأرض، وهذا مقصود، بخلاف ما إذا لم يصب الماء، فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل»(15). والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الوضوء» باب «بول الصبيان» حديث (223)، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «حول بول الطفل الرضيع وكيفية غسله» حديث (287)

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «بول الصبي يصيب الثوب» حديث (377)، والترمذي في كتاب «الجمعة» باب «ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع» حديث (610) وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف سنن الترمذي» حديث (377).

(3) أخرجه البخاري في كتاب «الوضوء» باب «صب الماء على البول في المسجد» حديث (220).

(4) جاء في «حاشية الدسوقي» من كتب المالكية (1/74): «وكطين مطر اختلطت به أرواث الدواب وأبوالها بل وإن اختلطت به العذرة فغير العذرة من النجاسات مأخوذ فيما قبل المبالغة (قوله: وجب الغسل) أي لما كان أصابه منه قبل الجفاف فالعفو عما أصابه يستمر إلى الجفاف في الطريق، فإذا حصل الجفاف فيها وجب غسل ما كان أصابه قبل ذلك (قوله: أي كانت) أي النجاسة أكثر من الطين تحقيقًا أو ظنًّا».

وجاء في «الشرح الصغير» للعدوي المالكي (1/82-83): «(وتطهر الأرضُ بكثرة إفاضة الماء عليها): الأرض المتنجسة إذا انصب الماء عليها من مطر أو غيره حتى زالت عين النجاسة وأعراضها طهرت؛ كما وقع للأعرابي الذي بال في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصاح به بعض الصحابة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه، ثم أمرهم بأن يصبوا عليها ذنوبًا من ماء. والحديث رواه الشيخان».

(5) صرح أبو إسحاق الشيرازي بالمسألة في «المهذب» (2/615-617) فقال: «(إذا أصاب الأرضَ نجاسةٌ ذائبةٌ في موضع ضاح فطلعت عليه الشمس وهبَّت عليه الريحُ فذهب أثرُها ففيه قولان: قال في القديم والإملاء: يطهر؛ لأنه لم يبق شيء من النجاسة فهو كما لو غسل بالماء، وقال في الأم: لا يطهر وهو الأصح ؛ لأنه محل نجس فلا يطهر بالشمس كالثوب النجس)».

(6) قال البهوتي الحنبلي في «كشاف القناع» (1/186-187): «(ولا تطهر أرضٌ متنجسةٌ ولا غيرُها) من المتنجسات (بشمس ولا ريح ولا جفاف) لأنه صلى الله عليه وسلم أمَر بغسل بول الأعرابي ولو كان ذلك يطهِّر لاكتفى به، ولأن الأرض محل نجس فلم يطهر بالجفاف، كثيابٍ. وحديث ابن عمر كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك. رواه أحمد وأبو داود بإسناد على شرط البخاري- يحمل أنها كانت تبول في غير المسجد ثم تقبل وتدبر فيه، فيكون إقبالها وإدبارها بعد بولها؛ جمعًا بين الأدلة».

(7) قال الكاساني في «بدائع الصنائع» (1/84-85): «ولو أصابت النجاسةُ الأرضَ فجفَّت وذهب أثرُها تجوز الصلاة عليها عندنا، وعند زفر: لا تجوز، وبه أخذ الشافعي، ولو تيمم بهذا التراب لا يجوز في ظاهر الرواية، وقد ذكرنا الفرق فيما تقدم».

(8) أخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «وجوب غسل البول من النجاسات» حديث (284).

(9) قال العيني في «البناية شرح الهداية» (1/719-723): «م: (وإن أصابت الأرضَ النجاسةُ فجفت بالشمس وذهب أثرها) ش: قيد الجفاف بالشمس وقع اتفاقًا؛ لأن الغالب جفاف الأرض بالشمس، وليس باحتراز على الجفاف بأمر آخر، لأن الأرض إذا جفت بالنار أو بالريح. م: (جازت الصلاة على مكانها) ش: أي مكان النجاسة التي جفت، وهذا الكلام يشير إلى أنه لا يجوز التيمم به وهو ظاهر الرواية». وفي «الدر المختار» (1/308-312): «(و) تطهُر (أرضٌ) بخلاف نحو بِساط (بيُبسها) أي: جفافِها ولو بريحٍ (وذهابِ أثرِها كَلونٍ) وريحٍ (لـ) أجل (صلاةٍ) عليها (لا لتيممٍ) بها؛ لأن المشروط لها الطهارة وله الطهورية».

(10) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (1/84-85).

(11) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (21/ 479): «وأما طين الشوارع فمبني على أصل: وهو أن الأرض إذا أصابتها نجاسةٌ ثم ذهبت بالريح أو الشمس أو نحو ذلك. هل تطهر الأرض؟

على قولين للفقهاء: وهما قولان في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما: أحدهما: أنها تطهر. وهو مذهب أبي حنيفة وغيره: ولكن عند أبي حنيفة يصلى عليها ولا يتيمم بها. والصحيح أنه يصلى عليها ويتيمم بها وهذا هو الصواب؛ لأنه قد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر: أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك. ومن المعلوم أن النجاسة لو كانت باقيةً لوجب غسل ذلك. وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح من أنه: أمرهم أن يصبُّوا على بول الأعرابي الذي بال في المسجد ذنوبًا من ماء. فإن هذا يحصل به تعجيل تطهير الأرض وهذا مقصودٌ؛ بخلاف ما إذا لم يصب الماء فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل. وأيضًا ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن وجد بها أذًى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهورٌ» وفي السنن أيضًا: أنه سئل عن المرأة تجر ذيلها على المكان القذر ثم على المكان الطاهر فقال: «يطهره ما بعده». وقد نص أحمد على الأخذ بهذا الحديث الثاني ونص في إحدى الروايتين عنه على الأخذ بالحديث الأول وهو قول من يقول به من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما».

(12) أخرجه البخاري في كتاب «الوضوء» باب «الماء الذي يغسل به شعر الإنسان» حديث (174).

(13) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «في الأذى يصيب النعل» حديث (385)، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (834).

(14) أخرجه مالك في «موطئه» (1/24) حديث (45)، وأحمد في «مسنده» (6/290) حديث (26531)، وأبو داود في كتاب «الطهارة» باب «في الأذى يصيب الذيل» حديث (383)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في الوضوء من الموطأ» حديث (143)، وابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «الأرض يطهر بعضها بعضًا» حديث (531)، من حديث أم سلمة ل، وقال الترمذي: «وهو قول غير واحد من أهل العلم»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (504).

(15) «مجموع الفتاوى» (21 / 480).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend