الميل في النفس إلى الشذوذ

سؤال صعب ومهم لا يحتمل التَّلْخيص سأبعثه في ثلاثة أجزاء.
الجزء الأول من الثلاثة: شاب مسلم (أ) يقول: إنه منذ صغره يُعاني من الشُّذوذ وهو صابر على ذلك، وقد تقدَّم للزَّواج من أختٍ وينتظر الجواب، المهم أن هذا الشَّاب بدأ الالتزام منذ بضعة سنوات وواجه بعض المشاكل من أجل ذلك مِن طَرَف عائلته ومَن حوله، وهو يُعاني من الوَحْدة، مع العلم أنه أُصيب بالاكتئاب وأثَّرت أمور كثيرة في حياته على حالته النَّفسيَّة ولم يجد ملجًا.
ومنذ مدة قصيرة التقى بشاب مسلمٍ (ب) آخر كان يُعلِّمه القرآن، ولـمَّا رأى الميل تجاهه حاول قَطْع هذا التَّعْليم، ولكن الشَّاب (ب) أصرَّ أن يعلم سبب رغبته في أن ينهي تعليمه، ونظرًا لحالة (أ) النَّفسيَّة وإصرار الشَّاب (ب) فإن (أ) بيَّن لـ(ب) كلَّ ما يُعاني منه من شذوذ ووَحْدة وماضيه الصعب.
الجزء الثاني من الثلاثة: وكان الشَّاب (أ) يبكي كثيرًا من أثر الرسائل العديدة والطَّويلة التي كان يبعثها لـ(ب) يحكي فيها ماضيه المؤلم والمشاكل التي مرَّ عليها، ووجد في (ب) من الإنصات والمساعدة ما أعانه بعد مدة طويلة على تجاوز الشَّيء الكثير من تأثير ماضيه، والشَّاب (ب) كان فيه من الشذوذ من قبل وخرج من ذلك كليًّا وأصرَّ أن يقف بجانب (أ) ليُعينه على الصَّبْر ويخفِّف عنه ما يجد من الوحدة، وأيضًا فإن الشَّاب (ب) كان يُعاني من ضغطٍ كبير من والده للالتزام وكان يفعل من المحرَّمات الشَّيء الكثير ولكنه منذ أن التقى بـ(أ) بدأ يُصلِّي بجِدِّية أكثر وابتعد عن كثيرٍ من المحرَّمات من أثر علاقته بـ(أ) الملتزم وحفظ بمساعدة (أ) مقدارًا معتبرًا من القرآن.
الجزء الثالث والأخير: المشكلة هي: في حالة بقائهما معًا فإن (أ) يخاف ألا يُقبل هذا العمل الذي يعمله على (ب) لكي يلتزم؛ لما يجد في نفسه من الميل إليه خوفًا من الله، وإن كان يعلم أن (ب) بعيدٌ كل البعد عن الشذوذ، ومن جهة إخرى فإن (ب) لا يزال يفعل بعض الأعمال التي يراها (أ) غير جائزة وهو يجرُّ (أ) فيها، ولكن (أ) يُريد أن يرفق به في تعلُّم الدِّين فيسكت عنها الآن.
وفي حالة الفراق فإن (أ) يخاف من أن يغوص في الوحدة التي كان فيها و(ب) يقول إنه لو تركه (أ) لن يجد من يُعينه على الالتزام بالرِّفق الذي يعامله به (أ)، ويخاف من أن ضغط أبيه للالتزام من جهة وضغط المجتمع للانحلال من جهة أخرى سيهوي به فيما كان فيه من المعاصي العظام مرة أخرى.
فما الحلُّ جزاكم اللهُ خيرًا؟ مع العلم أنني أنا الشَّاب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اللهَ جل وعلا قد تجاوز لهذه الأمة عما حدَّثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلَّم به(1)، فما تجده من ميلٍ مُحرَّمٍ يعاودك في بعض الأحيان نحو صاحبك ينبغي أن تكتمه وأن تقاومه وأن تقطع مبادئه، وأن تستعيذ بالله منه، فإن فعلت ذلك فأرجو ألا يَضرَّك بإذن الله.
ولا حرج عليك في بقائك مع هذا الشَّاب الذي تفهَّم محنتك وآزرك فيها لأن المصلحة في ذلك ظاهرة، وتلبُّسه ببعض المعاصي لا يمنع من هذه المصاحبة ما دمت تُنكر عليه ذلك، وقد علمت أن مبنى الشَّريعة على تحقيق خير الخيرين ودَفْع شرِّ الشَّرَّين.
وأسأل الله أن يَرُدَّكما إليه ردًّا جميلًا، وأن يحملكما في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، بلفظ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend