المقصود بصلة الرحم والأرحام الذين يجب صلتهم

ما المقصود بصلة الرحم؟ ومن هم الأرحام الذين يُفترض عليَّ صلتهم؟ الرجاء الجواب باستفاضة. وجزاكم اللهُ خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الرحمَ اسمٌ شامل لكافة الأقارب من غير تفريقٍ بين المحارم وغيرهم في أرجح أقوال أهل العِلْمِ(1)، وقد ذهب بعضُ أهل العِلْمِ إلى قَصْر الرحم على المحارم(2)، بل ومنهم من قَصَرها على الوارثين منهم، وهذا هو مذهب أبي حنيفة(3) وروايةٌ عن أحمد(4) رحمهما الله، والرَّاجح الأول.
قال القُرْطُبِي: «وبالجملة فالرحم على وجهين: عامة، وخاصة. فالعامَّة رحم الدِّين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله، ونصرتهم والنصيحة لهم وتَرْك مضارَّتهم، والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى وحقوق الموتى مِن غسلهم والصَّلاة عليهم ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم. وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرَّجُل أبيه وأمه- فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة وتفقُّد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكَّد في حقِّهم حقوقُ الرحم العامَّة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بُدئ بالأقرب فالأقرب. وقال بعضُ أهل العِلْمِ: إن الرحم التي تجب صلتها هي كلُّ رحمٍ محرم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال. وقيل: بل هذا في كلِّ رحمٍ ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث محرمًا كان أم غير محرم، فيخرج من هذا أن رحمَ الأمِّ التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم، وهذا ليس بصحيحٍ، والصواب أن كلَّ ما يشمله ويعمُّه الرحم يجب صلته في كلِّ حالٍ قربة ودينية»(5).
وقال الحافظ في «الفتح»: «يُطلق على الأقارب وهم مَنْ بينه وبين الآخر نسبٌ، سواء كان يرثه أم لا، سواء كان ذا محرمٍ أم لا. وقيل: هم المحارم فقط. والأول هو المرجَّح؛ لأن الثَّاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام، وليس كذلك»(6).
والخلاصة: أن الرحمَ هم الذين تربطك بهم صلةُ قرابة؛ سواءٌ أكان ذلك من جهة أبيك أم من جهة أمِّك، وسواءٌ أكانوا من المحارم أم لا، وسواء أكانوا من الورثة أم لا.
وصلة الرحم تبدأ بالزيارة والمكالمة الهاتفية والغوث عند الاقتضاء، ثم تتدرَّج إلى ما شاء اللهُ، و«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»(7). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) جاء في «شرح مختصر خليل للخرشي» (8/176): «وإذا أوصى لأقارب زيد أو لأرحامه أو لأهله أو لقرابتي أو رحمي ، أو لذوي رحمي، أو لأهلي، أو لأهل بيتي، فإنه يدخل في ذلك الأقارب للأم إن لم يكن أقارب من الأب، أما إن كان فلا يدخل أقاربه من أمه لكن إن كانت الوصية لأقارب، أو لأهل أو لأرحام الغير ودخلت أقاربه من جهة أبيه أو أقاربه من جهة أمه إن لم يكن له أقارب من جهة أبيه فإنه يستوي في ذلك الوارث وغير الوارث فيدخلون كلهم مدخلًا واحدًا فيدخل العم للأم والأم لأن الموصي ليس هو الموروث بخلاف ما لو أوصى لأقارب نفسه أو لأرحامه أو لأهله، فإن الوارث له أي بالفعل لا يدخل في الوصية لأن الشرع حكم بمنع الوصية للوارث، فإذا كان له ولد مثلًا وأعمامه دخل الأعمام وبنوهم والأخوال والخالات والعمات، ولا يدخل الولد وبعبارة استعمل الدخول في الأول في المشاركة وفي الثاني في الشمول أي وشارك الفقير المسكين وعكسه وشمل الأقارب إلخ أقاربه لأمه».

(2) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (27/155-156): «وإذا أوصى لذوي قرابته بالثلث، فإن ذوي قرابته كل ذي رحم محرم منه».

(3) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (7/348-351): «ولو أوصى لذوي قرابته أو قراباته، أو لأنسابه أو لأرحامه، أو لذوي أرحامه هذه الألفاظ الخمسة سواء، فعند أبي حنيفة الوصية بهذه الألفاظ للأقرب، فالأقرب فالحاصل أن عند أبي حنيفة- عليه الرحمة- يعتبر في هذه الوصية خمسة أشياء الرحم المحرم والأقرب فالأقرب وجمع الوصية وهو اثنان فصاعدا، وأن يكون سوى الوالدين والمولودين، وأن يكون ممن لا يرث، وعندهما يدخل في هذه الوصية ذو الرحم المحرم والقريب والبعيد إلى أقصى أب له في الإسلام».

(4) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (6/317-319): «باب ذوي الأرحام ذوي الأرحام وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب، وهم أحد عشر حيزا؛ ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وولد الإخوة من الأم، والعمات من جميع الجهات، والعم من الأم، والأخوال، والخالات، وبنات الأعمام، والجد أبو الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أمين، أو بأب أعلى من الجد. فهؤلاء، ومن أدلى بهم، يسمون ذوي الأرحام. وكان أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض، ولا عصبة، ولا أحد من الوارث، إلا الزوج، والزوجة».

(5) «تفسير القرطبي» (16/248).

(6) «فتح الباري» (10/414).

(7) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «من أحب البسط في الرزق» حديث (2067)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «صلة الرحم وتحريم قطيعتها» حديث (2557)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend