العين حق

كثيرًا ما سمعت في الصغر مقولة: العين فلقت الحجر. وأصل تلك المقولة كما سمعتها قصة أعتقد أنها قصة باطلة لا تصح، ولكن أسأل حتى أعرف هل لها أصل أم لا.
القصة أسوقها كما سمعتها بمعناها ليس على سبيل الإقرار، أتذكر أن القصة كانت عن امرأة على عهد الرسول مشهورة بالحسد، فجاءت لزيارة الرسول فخاف على الحسن والحسين من الحسد، فوضع مكانهما حجرًا وغطَّى ذلك الحجر، وبعد أن غادرت تلك المرأة ورُفع ذلك الغطاء فإذا بالحجر قد انفلق نصفين. فما رأي فضيلتكم في هذا الكلام؟ وهل العين حقٌّ؟ وهل لها تأثير على المعيون؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهذه القصة المذكورة لا أصل لها فيما نعلم، ولكن العين حقٌّ، وإن العين لتُدخل الجَمَل القِدر والرجل القبر.
والعين نظرٌ باستحسان، مشوب بحسد، من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر، ومن الأدلة على أن العين حقٌّ وأنها تؤثِّر في المعيون بإذن الله ما يلي:
أولًا من القرآن الكريم:
1. قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *  مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ *  وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *  وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 1 – 5]، حيث أمر اللهُ بالاستعاذة من شر الحاسد والعائن.
2. قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام  موصيًا بنيه: ﴿وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف: 67].
قال القرطبي : في تفسيرها: «لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من بابٍ، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلًا لرجلٍ واحد، وكانوا أهل جَمال وبسطة، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وغيرهم»(1).
3. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: 39].
قال أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: قال النبي ﷺ: «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، لَمْ يَضُرَّهُ عَيْنٌ»(2).
4. وقوله: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ [القلم: 51].
قال القرطبي في تفسيرها: «أخبر بشدة عداوتهم للنبي ﷺ، وأرادوا أن يُصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجته. وقيل: كانت العين في بني أسد، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمرُّ بأحدهم فيُعاينها، ثم يقول: يا جارية، خذي المكتل والدرهم. فأُتينا بلحم هذه الناقة؛ فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر. وقال الكلبي: كان رجلٌ من العرب يمكث لا يأكل شيئًا يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخباء، فتمرُّ به الإبل أو الغنم، فيقول: لم أَرَ كاليوم إبلًا ولا غنمًا أحسن من هذه. فما تذهب إلا قليلًا حتى تسقط منها طائفة هالكة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي ﷺ بالعين فأجابهم، فلما مرَّ النبي ﷺ أنشد:

  • قد كان قومك يحسبونك سيدًا
  •  وإخـال أنك سيـد معيون

 

فعصم الله النبي ﷺ، ونزلت: { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} [القلم: 51]، وذكر نحوه الماوردي، وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدًا- يعني في نفسه وماله- تجوع ثلاثة أيام، ثم يتعرَّض لنفسه وماله فيقول: تالله ما رأيتُ أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن، فيُصيبه بعينه، فيهلك هو وماله، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية»(3).
ثانيًا: من السنة المطهرة:
1. قوله ﷺ: «الْعَيْنُ حَقٌّ»(4).
2. وعن ابن عباس ب، عن النبي ﷺ قال: «العَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا»(5).
3. عن عائشة ل قالت: أمرني النبيُّ ﷺ- أو أمر- أن يسترقي من العين(6).
4. وعن أم سلمة ل: أن النبي ﷺ رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة(7)، فقال: «اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ»(8). والنظرة هي العين، وقيل: هي المسُّ من الشيطان.
5. وعن عائشة ل قالت: كان إذا اشتكى رسول الله ﷺ رقاه جبريل، قال: «بِاسْمِ الله يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ»(9).
6. وقال رسول الله ﷺ لأسماء بنت عُمَيس: «مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أخي ضَارِعَةً- أي نحيلة- تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ؟» قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم. قال: «ارْقِيهِمْ»(10).
7. وعن أبي أُمامة سَهْل بن حُنَيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم، ولا جلد مُخبَّأة! فما لبث أن لُبِطَ به(11) فأُتِي به النبي ﷺ فقيل له: أدرك سهلًا صريعًا قال: «مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟» قالوا: عامر بن ربيعة. قال: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ». ثم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه. قال سفيان: قال معمر عن الزهري: وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه(12).
8. ورُوي عن الحسن مرفوعًا: «إِنَّ العَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ القَبْرَ، والجَمَلَ القِدْرَ»(13).
وقاك الله العينَ وشرَّها. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) «تفسير القرطبي» (9/226).

(2) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/90) حديث (4370).

(3) «تفسير القرطبي» (18/254- 255).

(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «العين حق» حديث (5740)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «الطب والمرضى والرقى» حديث (2187)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(5) أخرجه مسلم في كتاب «السلام» باب «الطب والمرض والرقى» حديث (2188) من حديث عبد الله بن عباس ب.

(6) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «رقية العين» حديث (5738)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة» حديث (2195).

(7) يعني: بوجهها صُفرة. «شرح النووي على صحيح مسلم» (14/185).

(8) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «رقية العين» حديث (5739)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة» حديث (2197).

(9) أخرجه مسلم في كتاب «السلام» باب «الطب والمرض والرقى» حديث (2185).

(10) أخرجه مسلم في كتاب «السلام» باب «الطب والمرض والرقى» حديث (2198) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

(11) لبط بفلان: سقط على الأرض من قيام. انظر «العجم الوسيط» (لبط).

(12) أخرجه مالك في «موطئه» حديث (2/939)، وأحمد في «مسنده» (3/486) حديث (16023)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/107) وقال: «رجال أحمد رجال الصحيح»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2572).

(13) أخرجه الشهاب القضاعي في «مسنده» (2/140) حديث (1057)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/90) من حديث جابر بن عبد الله ب، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (4/412) وقال: «هذا إسناد رجاله كلهم ثقات ولم يخرجوه».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend