أنا أعاني من مشكلة: أنني عندما أنظر لأحدٍ يحدث له أذًى، وأحيانًا عندما أفكر في أحدٍ يحدث له مكروه، بالرغم من أنني والحمد لله دائمًا أقول: «ما شاء الله، اللَّهُمَّ بارك» ولا أحسد أحدًا. فهل من الممكن أن يحسد إنسان مؤمنٌ لا يحمل في قلبه أيَّ غيرة أو حقد؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فلا شكَّ أن الحسدَ بمعنى تمنِّي زوال نعمة الغير من الذُّنوب والقبائح، وقد وردت الاستعاذة من شرِّه في كتاب الله عز و جل ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5]، ولا يَخْفى أيضًا أن المذموم من ذلك هو ما كان عن قصدٍ وسوء طويَّة ونفس خبيثة تعترض على ربِّها وتمقت النِّعم التي تراها على عباده!
أما ما يقع من ذلك بغير قصد ولا نية ولا إرادة، فلا يسأل عنه صاحبه، لاسيَّما إذا كان يدعو بالخير والبَرَكة كلما وقعت عيناه على نعمة أنعم الله بها على عبدٍ من عباده.
ولكن أسوق لك بعض الوصايا النَّافعة التي تُعين على التَّخلُّص من هذا الدَّاء العضال، فتأمَّلها فإنها نافعة بإذن الله:
1- الاستعانة بالله، والتَّوكُّل عليه في التَّخلُّص من هذا الخُلُق المذموم؛ فإن الحسد مرضٌ في النَّفس، وداء في القلب، ولا يُشفي المريض إلا الله، كما قال إبراهيم الخليل ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80] وقال ﷺ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله»(1).
2- معرفة أن الحسدَ ذنب يُبغضه الله، ومعصية تُوجب سخط الله، فما كان كذلك فيجب تركُه والتَّوبة منه، والعمل على التَّخلُّص منه.
3- أن يعلم الإنسان أن الحسدَ هو في الحقيقة اعتراضٌ على الله؛ لأن الحاسدَ إنما يكره أن تُصيب النِّعمة غيره ويتمنَّى زوالها عن المحسود، وهذا في الحقيقة بغض لما أراده الله ولما قدَّره الله، ولذلك لما ذكر اللهُ الحاسدين أشار إلى أنه هو الذي يُؤتي مِن فضله من شاء، كما قال تعالى:﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54].
4- أن يعلم الإنسانُ أن الحسدَ ظلمٌ شديد، فإنه ظلم للنَّفس وظلم للمحسود أيضًا، وقد قال ﷺ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(2).
5- ومن الأسباب أيضًا أن الإنسانَ إذا خاف أن يحسد مسلمًا على نعمةٍ فإنه يدعو له بالخير وبالبَرَكة، كما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ».
وهذا السَّبب من أعظم ما يدفع شرَّ الحسد ومن أعظم ما يُعين على التَّخلُّص من هذا المرض، فإن الإنسانَ متى ما عوَّد نفسه الدُّعاء للمسلمين اعتادت نفسه حبَّ الخير لهم وكراهية مضرَّتهم.
6- عدم الاشتغال بالنَّظر إلى النِّعم التي عند الآخرين والإعراض عن ذلك، بل إن في التَّفكير بما أنعم اللهُ عليك خيرًا وفائدةً لك، فإن تذكُّرَ نعم الله على النَّفس تُعين على الشُّكر، وفي كثرة تطلُّعك إلى ما عند غيرك ضررٌ عليك؛ لأنك ربما يقع لك الحسد، أو على الأقل عدم شكر نعمة الله عليك وازدراء نعمه؛ ولذلك قال تعالى:﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131].
7- ومن الأسباب بذل الخير للنَّاس وإعانتهم على تحصيل المنافع لهم، فإن هذا مضادٌّ للحسد ومخالفٌ له، ومن المعلوم أن الذي ينفع النَّاس ويُعينهم مأجورٌ على ذلك مع كونه يصير بهذه الإعانة محبوبًا لله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128]. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) سبق تخريجه أواني الحوض» حديث (2516).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (2578) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه .