الدعاء على الظالم

كيف يكون الدعاء بإثمٍ؟ نُريد من فضيلتكم مثالًا توضيحيًّا، وهل يجوز الدعاءُ على الأشخاص مثلما دعا سعدُ بن أبي وقاص على الرَّجُل الذي اتهمه ظلمًا أن يُطيل الله في عُمُرِه ويتعرَّضَ للفتن(1)، وكذلك مثلما دعا سعيدُ بن زيد على المرأة التي ظلمته أن تَعْمَى(2)؟ فهل يجوز الدعاءُ هكذا بالعمى والموت والهلاك كما فعل سعدٌ وسعيدٌ؟ وهل هذا من الإثم؟ وكيف يصدر من هذين الصحابيين وهما من العشرة المبشرين بالجنة ولم يختارا الدعاء بالهداية والعفو كما كان يفعل محمد ﷺ؟

________________

(1) فقد أخرج البخاري في كتاب «الأذان» باب «وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات» حديث (755) من حديث جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يُحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تُحسن تصلي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ﷺ ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأُولَيين وأخف في الأُخريين. قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلًا- أو رجالًا- إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة. يُكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً فأطل عمره وأطل فقرَه وعرضه بالفتن. وكان بعدُ إذا سُئل يقول: شيخٌ كبيرٌ مفتون أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطُّرق يغمزهن.

(2) فقد أخرج مسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها» حديث (1610) من حديث سعيد بن زيد: أن أَرْوَى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». اللهم إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها واجعل قبرَها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوةُ سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الإثمَ هو ما حرَّمه الله عز و جل  ونهى عنه، كمن يدعو الله عز و جل  أن يُيسِّر له ارتكابَ مُحرَّمٍ من المحرمات، أو أن يُعينه على بغيٍ وظلم، وليس من ذلك أن تنتصف ممن ظلمك وتستعدي عليه سهامَ القَدَر، فقد قال تعالى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ *  إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الشورى: 41، 42].
وإذا كان اللهُ قد نفى الحرج عمن ينتصرون بعد ظلمهم فلا ينال ذلك من منزلتَهم عند الله عز و جل ، وقد دعا الأنبياء على أقوامهم لما يئسوا من هدايتهم(1)، وإن كان الأولى هو الصفح وتفويض الأمر إلى الله عز و جل . واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) ومن ذلك دعاء نوح عليه السلام  على قومه، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend