الدعاء بالموت للأم قبل الأب

مشكلتي بدأت منذ سنة 2000م عندما كان عمري 16 سنة، حيث كنا نعيش في هدوء وسلام إلى أن جاء اليوم الذي تلقَّينا فيه رسالةً من مجهول يقول فيها: إن أمي تخون أبي مع أحد أصدقائه الذي هو زميله في العمل وذكر اسمه كاملًا.
فانقلب حالنا منذ ذلك اليوم، ووصل الحال بنا إلى حدِّ الطَّلاق لولا لُطْف الله بنا وحِكْمة أبي وصَبْره، فبعد صراعٍ شديد مع النَّفس وحِفاظه على الأسرة قرَّر أبي أن يتناسى الموضوع ويظنَّ بأمي خيرًا لأنها ليست من ذلك النَّوع.
وهدأت الأمور نسبيًّا في البيت إلى أن جاء يومٌ خرجنا فيه للتَّنزُّه مع أبي وكنت راكبةً أنا وأمي في المقعد الخلفيِّ للسيارة؛ وإذ بي أُلاحظ أن شيئًا ما أو بالأحرى شخصًا ما في الطَّريق شَدَّ انتباهَ أمي، وعندما التفتُّ إلى الجهة التي تنظر إليها فإذا بي أرى ذلك الشَّخْص المذكور في رسالة المجهول، لقد كانت أمي وبكلِّ أسفٍ تنظر إليه نظرةَ الـمُعجَب، ولا أستطيع أن أصف لكم شعوري حينها، فقد استشطتُ غضبًا وأسفًا على الإنسانة التي كنت أحسبها مَثَلي الأعلى، ولولا خوفي من الله حينها أوَّلًا وخوفي من غضبها ثانيًا وخوفي على مشاعر أبي المسكين وإخوتي لانفجرت في وجهها.
ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحدِّ فقط بل صارت تُحدِّثني عنه في أكثر من مناسبةٍ وتقول لي بأنه قال لها إنه يُحبني أنا كابنته، مما يُؤكِّد أنها لا زالت تُكلِّمه رغم أن أبي نهاها عن التَّحدُّث إليه ثانية، فأمي وأبي وهذا الشَّخْص يعملون معًا في مستشفًى واحدٍ.
كانت تُحدِّثني عنه غيرَ مُباليةٍ بمشاعري التي مزَّقتها كلُّ كلمةٍ تخرج من فمها عنه، إلى أن بلغ السَّيل الربى في إحدى المرات وقُلْتُ لها بنبرةٍ حادَّة ألَّا تُحدِّثني عنه بعد اليوم، فقد وصل بي الأمر يا شيخ إلى كُره أمي والتَّفْكير الجادِّ في طريقةٍ لقتل ذلك الرَّجُل الذي دمَّر حياتي أنا بالخصوص.
والله يا شيخ إنني أُقدِّر أمي فقط لأن اللهَ أمرنا بذلك، لكن بصراحةٍ لا أرى فيها الأمَّ المثاليَّة التي تستحقُّ مني كلَّ الحب والإجلال، ولطالما أحسستُ بالغيرة لرؤيتي صديقاتي وهن يَقُلن عن أمهاتهن أنهن أروع أمهات في الدُّنْيا.
أنا الآن مُتزوِّجة ولديَّ طفلان والحمد لله، لكن هنالك دائمًا خوفٌ ألا أكونَ الأمَّ المثاليَّة لأولادي، وأن أخون زوجي يومًا معاذ الله، للإشارة يا شيخ إنني كنت دائمًا أتمنَّى أن تموتَ أمي قبل أبي خوفًا عليها مما يُمكن أن تفعله بعده، لكن قدَّر اللهُ أن مات أبي الشهر الفارط رحمة الله عليه، وأنا الآن حقًّا خائفةٌ من المجهول مع أمي.
فهل أنا آثمةٌ بدعائي أن تموتَ قبل أبي؟ وهل أنا أيضًا آثمة بحقيقة مشاعري نحوها، فأنا لا أُنكر أنني أُحبُّها ولكن ليس ذلك الحبُّ الذي يُكِنُّه الأبناء للأمِّ ولكن هذا والله فوق طاقتي، فقد حاولت كثيرًا أن أسامحها ولم أقدر، فانصحوني ما العمل؟ أثابكم الله عني كلَّ خير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن أَمْرَ الموت والحياة بيد الله وحده، ولا ينبغي لأحد أن يتمنَّى الموتَ لضرٍّ نزل به، سواء تمنَّاه لغيره أم تمنَّاه لنفسه، بل يقول إن كان لابُدَّ داعيًا بشيءٍ في هذا المجال: اللَّهُمَّ أحيينا ما علمتَ الحياةَ خيرًا لنا، وتوفَّنا ما علمتَ الوفاة خيرًا لنا(1).
ونسأل اللهَ أن يتغمَّد أباك برحمته وأن يُسكنه فسيحَ جنَّاته، وأن يَرُدَّ أمَّك إليه ردًّا جميلًا، والمشاعر الجِبِلِّيَّة البحتة من غضبٍ أو رضًا أو حبٍّ أو كرهٍ لا يتعلَّق بها تكليفٌ، وإنما يكون التَّكليفُ بما يترتب عليها أو بما يدعو إليها، فأدِّي لأُمِّك حقَّها من الإحسان والبرِّ، واستمرِّي في نصحها بما تعلمينه خيرًا لها في دينها ودنياها. ونسأل اللهَ لكليكما العافية. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «المرضى» باب «تمني المريض الموت» حديث (5671)، ومسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «كراهة تمني الموت لضر نزل به» حديث (2680)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْـمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَابُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْـحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي»».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend