الابتعاد عن مجالسة الأم تجنبًا لعقوقها

عندما أكون جالسة مع أمي كثيرًا ما تُسمعني كلامًا يُقلقني ويُؤذيني ويجرحني، وأنا إنسانة عصبيَّة جدًّا لا أحتمل، وأحيانًا أتشاجر معها وأندم على ذلك، وهذا دائمًا ما يتكرَّر معي، فقرَّرت أن أبتعد عن مجالستها قدر المستطاع لكي أتجنَّب عقوقها، أتمنَّى أن تنصحني وتدلَّني لطريق الخير. وجزاك اللهُ خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا أجد أحسنَ ولا أَبْين من قول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا *  وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا *  رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: 23 – 25].
فلا يَحِلُّ لك التَّشاجُر معها ولا مغاضبتها، بل البِرَّ والرَّحْمة والإحسان وخفض الجناح، واعلمي أن الحِلم بالتحلُّم وأن الصَّبْر بالتصبُّر، وأن من يتصبَّر يُصبره الله عز وجل (1).
أمَّا الابتعاد عن مجالستها فهي قضيَّة نسبيَّة، لا يَحِل لك الابتعادُ عنها في وقت حاجتها إليك ورغبتها في الاستئناس بقربك، ولا تلزم مخالطتها في وقت استغنائها عن ذلك، إلا بالقدر الذي يُحقِّق البِرَّ ويمنع العقوق، وإذا كان الذي يُخالط النَّاس بصفةٍ عامَّة ويُصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط النَّاس ولا يصبر على أذاهم(2)، فكيف بالوالدين وقد جاء الأمرُ ببِرِّهما عقب الأمر بعبادة الله وحده!
فوطِّئي نفسَك يا أمة الله على الرِّفق بها وخفض الجناح في التَّعامل معها، واحتسبي الأجرَ في ذلك على الله عز وجل .
ونسأل اللهَ أن يُلهمك رشدك، وأن يُوفِّق أُمَّك إلى أن تُعينك على بِرِّها. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «الاستعفاف عن المسألة» حديث (1469)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «فضل التعفف والصبر» حديث (1053)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله ﷺ فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده فقال: ««مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»».

(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/43) حديث (5022)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة الحوض» حديث (2507)، وابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «الصبر على البلاء» حديث (4032) من حديث ابن عمر ب قال: قال رسول الله ﷺ: «الْـمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْـمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (939).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend