سبي الجن للإنس

ذكر أحدُ الإخوة أنه نقل إليه شخصٌ مُقرَّبٌ له أن إحدى الدُّول تتميَّز بوجود السِّحْر والسَّحَرة، وأنه عند نزولك لتلك المدينة وفي حال كُنتَ في غفلةٍ وأنت في السُّوق تُشاهد عروضَ الدكاكين الشعبيَّة، وقد تسأل شخصًا: بكم تبيع هذا الإبريق يا عم؟ وهو في داخله يسأل الشَّيطان بكم تأخذ هذا الإنسيَّ يا عم؟
يُزايد عليك السَّحَرة والشياطين ومن يدفع أكثرَ تكون من نصيبه، وقد حصل كثيرٌ من ذلك واختفى أناسٌ كثيرون ممن زاروا هذه المنطقة.
السُّؤال: هل هذا ممكن أن يحصل قياسًا على أن رجلًا من قومه من الأنصار خرج يُصلِّي مع قومه العِشاء فسَبَتْه الجِنُّ ففُقِد فانطلقتِ امرأتُه إلى عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه فقصَّت عليه القِصَّة فسأل عنه عمرُ قومَه فقالوا: نعم، خرج يُصلِّي العِشاء ففُقِد.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن قِصَّة الأنصاريِّ الذي سَبَتْه الجِنُّ قد رُويت بإسنادٍ صحيح(1)، وهي تدلُّ على قدرة الجنِّ على إلحاق الأذى بالإنس، والجنُّ منهم الصَّالحون ومنهم دون ذلك(2)، ولكن لا ينبغي التَّهْويل في ذلك والمبالغة فيه، وعلى المرء أن يستعيذَ بالله دائمًا من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ(3)، ومن شرِّ كلِّ دابَّةٍ هو آخذٌ بناصيتها(4)، ومن شرِّ النَّفَّاثات في العقد(5)، خاصةً إذا ذهب إلى البلاد التي يَكثُر وجودهم بها.
ونسأل اللهَ لطفه وعونه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في «الهواتف» ص86 حديث (113)، والبيهقي في «الكبرى» (7/445) حديث (15347)، وابن عبد البر في «التمهيد» (12/182- 183)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلًا من قومه من الأنصار خرج يصلي مع قومه العشاء فسَبته الجن ففُقد، فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقصت عليه القصة، فسأل عنه عمر قومه فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففُقد. فأمرها أن تربص أربع سنين، فلما مضت الأربع سنين أتته فأخبرته فسأل قومها فقالوا: نعم. فأمرها أن تتزوج فتزوجت، فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يغيب أحدكم الزمانَ الطويلَ لا يعلم أهلُه حياتَه. فقال له: إن لي عذرًا يا أمير المؤمنين. قال: وما عذرك؟ قال: خرجت أصلي العشاء فسبتني الجن فلبثت فيهم زمانًا طويلًا، فغزاهم جنٌّ مؤمنون- أو قال: مسلمون. شك سعيد- فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منهم سبايا فسبوني فيما سبوا منهم، فقالوا: نراك رجلًا مسلمًا ولا يحل لنا سبيك. فخيروني بين المقام وبين القفول إلى أهلي، فاخترت القفول إلى أهلي، فأقبلوا معي أما بالليل فليس يحدثوني وأما بالنهار فعصار ريح أتبعها، فقال له عمر رضي الله عنه : فما كان طعامك فيهم؟ قال: الفول وما لم يذكر اسم الله عليه. قال: فما كان شرابك فيهم؟ قال الجدف. قال قتادة: والجدف ما لا يخمُر من الشراب. قال فخيَّره عمر رضي الله عنه بين الصداق وبين امرأته. وذكره ابن حجر في «تلخيص الحبير» (3/237) وقال: «فيه انقطاع مع ثقة رجاله».
(2) قال تعالى على لسانهم: ﴿أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: 11].
(3) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الأدب» باب «ما يقال عند النوم» حديث (5051)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه» حديث (3400) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَفَالِقَ الْـحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَالْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
وأخرجه مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «ما يقول عند النوم وأخذ المضجع» حديث (2712) من حديث أبي هريرة أيضًا بعبارة «مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ» بدل عبارة «مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ».
(4) أخرجه مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «ما يقول عند النوم وأخذ المضجع» حديث (2713) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(5) قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [سورة الفلق].

تاريخ النشر : 15 أغسطس, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الإيمان بالملائكة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend