متابعة حول قضية اللحية وحلق بعض العلماء والدعاة لها: لماذا؟
قرأت جوابك عن هذا السؤال، ولا يزال السؤال عندي قائمًا: لماذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأرجو أن نؤكد أولًا على أن اللحيةَ من شعائر الإسلام، وأن الأدلةَ على إعفائها مستفيضة؛ فقد ثبت عن النبيِّ ﷺ من حديث ابن عمر في الصحيحين أنه قال: «حفُّوا الشَّوَارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى»(1)، وفي لفظ: «خَالِفُوا الْـمُشْرِكِينَ؛ وَفِّرُوا اللِّحَى، وأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»(2).
وفي رواية مسلمٍ: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْـمَجُوسَ»(3).
ومقالات الفقهاء في ذلك مستفيضة، وأدنى أحوال حلقها الكراهة، والجمهور على التحريم(4).
أما ظاهرة حلقها عند بعض المنتسبين إلى العلم أو الدعوة فيرجع في تقديري إلى واحدة من ثلاث:
الأولى: شبهة لدى بعضهم في أن اللحية من سنن العادة وليس من سنن العبادة، وقد أشار إلى هذا الشيخ أبو زهرة : في كتابه «أصول الفقه»، وتابعه على ذلك بعض المنتسبين إلى العلم، ويرد على ذلك الأدلة الصريحة الواردة في إعفائها، وما ورد فيه مثل هذا التكليف لا يصح تصنيفه بأنه من سنن العادة وليس من سنن العبادة.
الثانية: فساد المناخ السياسي، وشيوع القهر والتسلُّط، والرَّبط بين اللحية وجماعات الغلو، وما قد يُنسب إلى بعضهم من أعمال العنف، وما يتعرضون له من مداهمات أمنية واعتقالات تعسفية ونحوه، الأمر الذي حَدَا بكثيرين إلى التجافي عن إعفاء اللحية، إيثارًا للسلامة ومبالغةً في إثبات بُعده عن الارتباط بهذه الجماعات، وتأمينًا لنفسه ضد الوشايات والمداهمات.
وهذا كما ترى يُفسِّر ولا يُبرِّر، وأهل الدين أولى الناس بالثبات على الحقِّ وتثبيت الناس عليه، وإن قبل هذا من العامة والمبتدئين في التدين فيَعسُر قبولُه من الدعاة ومنهم في موقع الصدارة.
الثالثة: الضعف البشري الذي يغشى النفس البشرية، وبعضهم إذا سُئل يصرح بذلك فيقول: اللحية واجبة، وأنا مقصر. وقد نُسب هذا القول إلى أعلام ورموزٍ كبرى.
نسأل الله أن يغفر لهم ضعفهم، وأن يتقبَّل إقرارَهم بالتقصير، وأن يأخذ بنواصينا وإياهم إلى ما يُحبه ويرضاه.
وأخيرًا نؤكد على إحسان الظنِّ والرفق في النصيحة.
ونسأل الله أن يأخذ بنواصينا جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «تقليم الأظفار» حديث (5892)، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (259).
(2) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «تقليم الأظفار» حديث (5892) من حديث ابن عمر.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (260) من حديث أبي هريرة.
(4) جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (2/417-418): «الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ، ومخنثة الرجال- فلم يبحه أحد».