شيخنا الفاضل وأستاذنا الجليل، فضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي، ما الحكم في قص المرأة لحاجبها لتقصيره؛ حيث إن شعر حاجبها طويل وهي تريد أن تتزين لزوجها، فهل يجوز ذلك التقصير أم إنه يدخل في النمص المنهي عنه في الحديث؟ وإذا لم يكن داخلًا في النمص فما هي حدود النمص المنهي عنه شرعًا؟ وما حكم إزالة الشعر الزائد من الحاجبين؟ والشعر الذي يكون بين الحاجيبن؟ وما حكم إزالة الشعر الزائد من الوجه عامة؟ وهل هناك فرق في الحكم بين النتف، والتهذيب، والتشقير بتفتيح لون الشعر حتى يصير بلون الجلد فلا يظهر دون إزالته؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد حرمت الشَّريعة المطهرة النمص وتوعدت عليه باللعن، واللعن: هو الطرد من رحمة الله عز وجل .
فعن عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمُتنمِّصات والمُتفلِّجات للحُسْن الـمُغيِّراتِ خَلْقَ الله. قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، وأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟! فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لَوْحَي المصحف فما وجدته؟! فقال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه؛ قال الله عز وجل ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]. فقالت المرأة: فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتك الآن! قال: اذهبي فانظري. قال: فَدَخَلَتْ على امرأة عبد الله فلم تَرَ شيئًا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئًا. فقال: أما لو كان ذلك ما جامَعَتْنَا. أي: لو كان ذلك منها ما ساكَنَتْنا(1).
وعن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال: لُعِنت الواصلةُ والمستوصلةُ والنامصةُ والمتنمِّصةُ والواشمةُ والمستوشمةُ من غير داء(2).
وقد بوَّب لذلك الإمام مسلم رحمه الله تعالى تحت عنوان: «باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله». وقال صلى الله عليه وسلم : «لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والْـمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالـمُتَنَمِّصَاتِ وَالمتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الـمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله» (3).
وقد اختُلف في المراد بالنمص على أقوال، أظهرها أنه نَتْف شعر الحاجبين التماسًا للحُسن، وقد شاع كما لا يخفى في واقعنا المعاصر بصورة وبائية وبلغ مبلغ إزالة شعر الحاجبين بالكلية وإعادة رسمهما بالكحل ونحوه، وتحريم ذلك ظاهر.
أما إذا تكاثف شعر الحاجبين فتم تهذيبهما بالـمِقراض وهو الـمِقَصُّ فقد رخَّص في ذلك بعض أهل العلم، ولم يجعلوه من النمص المحرم:
قال ابن قُدَامة في «المغني»: «فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة المنتوف شعرها بأمرها؛ فلا يجوز للخبر، وإن حلق الشعر فلا بأس؛ لأن الخبر إنما ورد في النتف، نص على هذا أحمد»(4).
وروي عن أحمد أنه سئل عن المرأة تحفُّ جبينها فقال: «أكره النتف، والحلق ليس به بأس»(5).
كما لم يجعلوا من النمص المحرم ما يكون بين الحاجبين من الشعر، فإن النمص هو إزالة شعر الحاجبين وليس إزالة ما يكون بينهما. كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة حيث سُئلت عن حكم الإسلام في نتف الشعر الذي بين الحاجبين فأجابت: «يجوز نتفه لأنه ليس من الحاجبين»(6).
أما تسوية الشعر بالمقراض فقد رخَّص فيه بعض أهل العلم عند الحاجة إلى ذلك، استصحابًا للإباحة الأصلية، ولوجود ما يدعو إليه عند المرأة وهو نزوعها الفطري إلى طلب الزينة وتنشئتها في الحلية.
وقد استثني أيضًا من ذلك بالنسبة للمرأة الشعر غير العادي الذي ينبت في الوجه كالشارب واللحية؛ لأن في ذلك تشويهًا لخلقة المرأة وهو ليس أمرًا عاديًّا بالنسبة لها.
والذي يظهر أن التشقير لا حرج فيه لأن النهي عن نزع الشعر لا عن صبغه وتلوينه. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «وما آتاكم الرسول فخذوه» حديث (4886)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة» حديث (2125).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «في صلة الشعر» حديث (4170)، وقال: «وتفسير الواصلة التي تصلُ الشَّعرَ بشعر النساء، والمستوصلة المعمول بها، والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه، والمتنمصة المعمول بها، والواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد، والمستوشمة المعمول بها»، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (2101).
(3) أخرجه البخاري (4886).
(4) «المغني» (1/68- 69).
(5) ذكره إسحاق بن منصور في «مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه» (2/602).
(6) «فتاوى اللجنة الدائمة» (5 / 197).