درست في كلية الحقوق، وأعمل حاليًّا وكيلًا للنائب العام، وأحاول قدر جهدي تجنُّب القضايا التي بها حدود مُقدَّرة من الله ، وأطلب من الله دائمًا أن يجعلني في عون إخواني من المسلمين، وإذا قدَّر الله لي العمل في القضاء فسأعمل إن شاء الله بالمجال المدني وأنوي بإذن الله أن أحكم فيه بشرع الله أولًا، وعقب ذلك بما في القانون المدني فيما سكتت عنه الشريعة.
فهل أنا آثم وكافر، علمًا بأنني لا أجيد عملًا آخر سوى ذلك القانون؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإليك أيها الموفق جملة من المبادئ أدعوك إلى تأملها ومن خلالها يعلم الجواب:
• الأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، فلقد أرسل الله رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وسبيلهم إلى ذلك تحكيم شرائعه لقيامها على العدل المطلق، ونبذ ما خالفها من الأهواء والتراتيب البشرية، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44] وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 60].
• ويرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلًا لاستخلاص حقٍّ أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه. فتكون مطالبه أمامه مشروعة، ولا يستحل من أحكامه إلا ما وافق الشريعة، فمن حكم له بغير حقِّه فلا يَأْخُذْه؛ لأن حكم القاضي لا يُحِلُّ حرامًا ولا يحرم حلالًا، فإنه كاشف وليس بمنشئ.
• وكل ما جاز فيه التحاكم بالأصالة جاز فيه التحاكم بالوكالة، وبالتالي فلا حرج في العمل بالمحاماة للمطالبة بحق أو دفع مظلمة، بشرط عدالة القضية التي يباشرها المحامي، وشرعية مطالبه التي يرفعها إلى القضاء.
• ولا حرج في دراسة القوانين الوضعية المخالفة للشريعة أو تولي تدريسها للتعرف على حقيقتها وفضل أحكام الشريعة عليها، أو للتوصل بدراستها إلى العمل بالمحاماة في بيئة لا سلطان للشريعة فيها، لنصرة المظلومين واستخلاص حقوقهم، بشرط أن يكون عنده من العلم بالشريعة ما يمنعه من التعاون على الإثم والعدوان.
• والأصل هو حرمة تقلُّد القضاء في ظلِّ ولاية لا تحكم بغير ما أنزل الله، إلا إذا تعيَّن ذلك سبيلًا لدفع ضرر عظيم يتهدَّد جماعة المسلمين، شريطة العلم بأحكام الشريعة الإسلامية، والقضاء بأحكامها ما أمكن، واختيار أقرب تخصُّصات القضاء لأحكام الشريعة الإسلامية ما أمكن، مع كراهية القلب لتحكيم القانون الوضعي، وبقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة والاستثناء.
• أن المسوِّغ الذي يُجيز للمسلم الاشتغال بهذه المهنة وأمثالها في ظل هذه القوانين الوضعية، هو العمل على نصرة الدين، وإقامة الحجة على المخالفين، والدفع عن المستضعفين، والقيام بمصالح المسلمين، ودفع الظلم عنهم أو تخفيفه حسب الإمكان في ذلك كله، أي أن يكون وكيلًا عن المظلومين في تقليل الظلم الواقع عليهم، وليس وكيلًا عن الظالمين في إعانتهم على ظلمهم! فإذا أُوصدت في وجهه الأبواب، وتقطَّعت به السبل فحقٌّ عليه أن يعتزل؛ وإلا أصبح وجوده مشاركة في الظلم ويتحمل من الإثم بقدر مشاركته.
• ويجوز أن يشارك المسلم كعضو في هيئة مُحَلَّفين خارج ديار الإسلام بغرض إنصاف المظلومين من المسلمين وغيرهم، شريطة أن يكون حكمه بما يوافق الشرع. والله تعالى أعلى وأعلم.