يا دكتور صلاح، أعلم أنك قد سافرت إلى الحج واعتذرْتَ عن الإجابة خلال هذا الشهر، ولكن أتمنى إذا رأيتَ هذه الرسالة في أي وقت وتمكنْتَ من الرد عليها أن ترد؛ حيث إنني أعيش في عذاب وأتمنى أن أخرج منه قبل أن أتوجه إلى حج بيت الله الحرام خلال الأيام القليلة القادمة، فكما ذكرت قبل ذلك فإن ما حدث معي كان حديث نفس، ولم أنطق منه شيئًا، ولكني ما زلت لا أستطيع أن أخرج من حالة الوسوسة والغم الذي أعيش فيها، وأتمنى من الله أن أخرج من هذه الحالة، خصوصًا أنني متوجه بعد أيام قليلة إلى حج بيت الله الحرام.
فأقصى ما أخشاه هو أنه بعدما حدث معي من حديث النفس هذا تخيَّلْت أنني أحكي لك ما حدث لي، وأثناء ذلك شكَكْت أنني ربما نطقْتُ هذه الجملة «إن البلد ممكن تتقدم إذا انسلخت من الدين ووضعته في صفيحة الزبالة». ثم بعد ذلك ظللت أفكر فيها كثيرًا من كثرة الوسوسة والحزن والخوف معًا، وكنت أتفحَّص هذه الجملة حتى أعرف إذا كانت من الكفريَّات أم لا، وأثناء ذلك شككت أنني ربما نطقتها مرة أخرى أثناء التفكير فيها وتفحُّصِها.
وكما ذكرت لك فإنني والله لا أطيق تخيُّلَ مثل هذا الكلام أبدًا؛ حيث إنني أخشى كثيرًا من الكفر والردة، ولكنني مصاب بالوسواس القهري، وبسبب ذلك تحدُثُ لي أشياء مثل ما ذكرت، فهل إذا كنت نطقْتُ مثل هذه الكلمات أثناء تخيُّلي أنني أحكي لك ما حدث معي أو أثناء تفكيري في هذه الكلمات وتفحصها- يترتب على ذلك شيء أو يلزمني شيء بعد ذلك؟
وكنتَ قد أخبرتي في الرد السابق أن كل ما ذكرته وساوس لا يترتب عليها شيء، فهل هذه الأشياء تعتبر ضمن الوساوس التي ذكرتَهَا في الرد السابق؟
شكرًا جزيلًا لسعة صدرك، وجزاك الله كل خير عني وعن المسلمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد أجبنا على مثل سؤالك هذا من قبل مرات عديدة، وقد أكدنا لك أن الله جل وعلا قد تجاوز لهذه الأمة عما حدَّثَتْ به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1).
بل مقاومة ذلك ومدافعته دلالة على صريح الإيمان، كما ذكرنا أن المبتلى بالوسوسة لا يحاسب على ما جرى على لسانه عفوًا أو قهرًا من الكلمات، بغير قصد ولا إرادة ولا نية.
فطِيبي نفسًا، واذهبي إلى بيت الله الحرام مطمئنة النفس، وسلي الله في هذه الأماكن الطيبة أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————-
(1) سبق تخريجه.