شيوخنا الأفاضل، لديَّ سؤال مهِمٌّ بعد أن كثر الزِّنى في مجتمعاتنا الإسلاميَّة.
والسُّؤال الذي أنا بصدَدِه: هل يُعتبر الزِّنى من حقوق العباد التي قال عنها أهل العلم: «وأما الدَّين فإنه حق من حقوق العباد لا يسقط بالقتل في سبيل الله».
وهل يطبق حدُّ الزِّنى في الآخرة بعد أن يُقتَصَّ من صاحبه في الدُّنيا كالرَّجم مثلًا للمحصن؟ وإن كان لا، إذن فكيف بنا ونحن أمام خراب البيوت واختلاط الأنساب إذا اكتشف أمر الزناة المحصنين؟ وجزاكم الله عنا خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن عقوبة الزِّنى عقوبة حَدِّيَّة، ويُقصد بالعقوبات الحدية ما كان محدَّدًا من قِبَلِ الشَّارع، ولم يُترك أمر تقديره إلى القضاة، والجرائم الحدية حقوق الله فيها أظهَرُ؛ ولهذا لا يجوز العفو فيها أو الشفاعة لإسقاطها إذا وصل أمرها إلى السلطان، وإن كان لا ينفي هذا ما تتضمنه من حقوق العباد، فالسرقة جريمة حدية، وفيها حق للمسروق المعتدى عليه بلا نزاع، ومثل ذلك جريمة الزِّنى فإنها تتضَمَّن ما لا يخفى من الاعتداء على الزوج.
والقاعدة في جرائم الحدود أن من أصاب شيئًا منها فعُوقب به في الدُّنيا فهو كفارةٌ له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستَرَه الله عليه فهو إلى الله عز و جل إن شاء عذَّبه وإن شاء غفَرَ له؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]؛ ولقوله ﷺ: «فَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى الله، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ»(1). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_______________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الحدود» باب «الحدود كفارة» حديث (6784)، ومسلم في كتاب «الحدود» باب «الحدود كفارات لأهلها» حديث (1709)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .