حصلتُ على منحة دراسية لمدة عام واحد في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي منحة لا تُعطي درجة علمية، وحيث إن تأشيرة سفري هي تأشيرة دراسية فقط ولمدة عام واحد، ولا يجوز العمل في أثناء العام أو الاستمرار في الولايات المتحدة بعد هذا العام وانقضاء مدة التأشيرة، وحيث إنني أريد أن أعمل في الولايات المتحدة والاستمرار فيها لمدةٍ بعد هذا العام، ولكن الطريق الوحيد لذلك هو عملُ ما يُسمَّى باللجوء الديني، وهو عبارة عن أن تتقدَّم للمحكمة وتدعي أنك ستُغيِّر دينك إلى النصرانية، وأنك تخشى من العودة لبلدك.
علمًا بأن هذا على الورق فقط، وبعد ذلك يُسمح لك بالبقاء في الولايات المتحدة من دون مشاكل، وتستطيع أن تصلي وأن تمارس طقوسك الدينيَّة الإسلامية بشكل عادي جدًّا، وهناك من المسلمين من فعل ذلك قبلي ولم تواجهه مشكلات في هذه النقطة.
لذلك فإنني أود أن أسأل سماحتكم عن حكم الدين في ذلك؟ وأرجو أن تأخذوا في الاعتبار هذه النقاط:
1- أن منحتي الدراسية لمدة عام واحد، وهي لا تُعطي درجة علمية، أي أنها لن تُساعدني في الحصول على فرصة عمل مناسبة في بلدي مصر.
2- قبل أن آتي إلى الولايات المتحدة فقدتُ وظيفتي، والآن لو عدت إلى البلد لن أجد وظيفةً، والكلُّ يعلم حالة مصر هذه الأيام.
3- أنني في سن الخامسة والعشرين، ولست مُتزوِّجًا، وأنا فقير وحالتي المادية أسوأ ما تكون، وإذا عدت لبلدي فمن الصَّعب أن أُدبِّر مالًا للزَّواج والشقة والعيش حياة كريمة.
4- أن لي ستة أشقاء من الذكور كلهم أصحاب ثروات ووظائف مختلفة، ولديهم مشروعات ودخول يومية كبيرة جدًّا، ولديهم بيوت ومُتزوِّجون ولديهم أطفال، وإنني لا أحقد عليهم، بل أنقل الواقع، فهم نفسي، وأنا ليس لدي شيء، وإن المقارنة بيني وبينهم فيها سخرية كبيرة جدًّا، مما يجعلني في نظر النَّاس وفي نظر نفسي الفاشل الوحيد وسط سبعة أشقاء كلهم ناجحون، مما يجعلني في أشد الحاجة للبقاء في الولايات المتحدة لتكوين المال الحلال الذي يجعلني قريبًا من مستوى إخوتي وناجحًا في نظر النَّاس ونفسي، حيث إنني أعيش في بلد أرياف.
5- أنني شخص أحسب نفسي والحمد لله متدينًا، وأحافظ على الصلوات في وقتها، وأحافظ على الصِّيام فرضًا ونافلة، وأمارس الدَّعْوة إلى الله تقريبًا يوميًّا، وذلك هنا في أمريكا، ولا أشرب الخمر، ولا أزني رغم أن الخمر والزِّنى هما الشيء العادي والطبيعي في أمريكا، وهناك كثيرٌ من المسلمين- خصوصًا الطلاب والمسافرين حديثًا من البلدان الإسلامية- الذين يُصدمون بالثقافة الغربية، فأول ما يفعلون يشربون ويزنون ويتركون الصلاة والصِّيام؛ لذلك أحسب أنني إن شاء الله- إذا صحَّت المقولة فقهيًّا- لا يُخشى عليَّ الفتنة، أسأل الله الثبات على الحق.
6- أن هذا التغيير كما ذكرت هو على الورق فقط، وأن الحياة في مصر أصبحت صعبة للغاية، وربما توافقونني في ذلك، وأنه لا أحد يعلم ماذا يُخبِّئ القدر لمصر، فإن مصر تسير إلى المجهول، والطالع يُنذر بالسوء. والله أعلم.
لذلك أرجو من سماحتكم أَخْذ هذه النقاط السابقة في الاعتبار، والدُّعاء لي بالتوفيق والسداد. علمًا بأنني أكتب إليكم وقد وصلت إلى الولايات المتحدة منذ شهرين تقريبًا، وآسف على الإطالة. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن كلَّ ما ذكرتَه مع التَّقدير الكامل لظروفك لا يُسوِّغ لك هذه الخطوة المنكرة شرعًا والمهينة عرفًا، والتي تُعتبر خيانةً للأمانة في تعاملك مع المجتمع الذي ضيَّفك وأكرمك.
فالحَذَرَ الحذر! واعلم أن من يتَّقِ الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب(1)، وأن من يتق الله يجعل له من أمره يسرًا(2)، وليس من تقوى الله أن تُعلن الرِّدة من أجل عَرَضٍ من الدُّنيا.
وإن هذا الذي تذكره لا يُرخَّص في مثله شرعًا إلا تحت تهديد الإكراه بالقتل، وأنا متأكد أنك لو راجعت نفسك لخجلت من مجرد عرض الفكرة.
فالحذر الحذر! ألا هل بلَّغتُ، اللَّهُمَّ اشهد.
ألهمك اللهُ رشدك، وربط على قلبك، وثبَّتك وسدَّدك. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2- 3].
(2) قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4].