زوجي يعمل في مكتب استشارات هندسية وهو المسئول عن قسم المناقصات، فيأتي شخص يريد عمل مشروع مثل بناء بناية أو فيلا يقوم المكتب بتصميمها، ويتقدم المقاولون بعروضهم للمكتب من أجل الحصول على المشروع، وزوجي المسئول عن فتح هذه العروض وتحديد أفضلها من حيث السعر ومن حيث كفاءة المقاول والتزامه في العمل، ثم يختار أفضل المقاولين ويعرضهم على صاحب المشروع ومدير المكتب وهم يختارون المقاول، في كثير من الأحيان يقوم المقاول الذي رست عليه المناقصة وتم قبول عرضه وحصل على المشروع بتقديم مبلغ من المال لزوجي كهدية لحصوله على المشروع، قد يكون مبلغًا صغيرًا أو متوسطًا، وقد تكون الهدية علبة شيكولاته أو ساعة أو مالًا كما ذكرت، المهم أن مدير المكتب- وهو في نفس الوقت شريك في المكتب- طلب من زوجي أنه إذا أعطاه أي مقاول مبلغًا من المال يسلمه للمكتب ويُقسَم المبلغ بعد ذلك، نصف المبلغ للمكتب ونصفه لزوجي، وبالفعل زوجي يقوم بهذا.
ولكن البعض شككوا في أن هذه الأموال تعتبر رشوة بالرغم من أن من يعطيها لزوجي يعطيها بعد أن يقبل عرضه، وقد لا يعطيه شيئًا أصلًا، فزوجي لا يشترط هذا على أحد، بالعكس هو غالبًا يرفض، ولكن المقاول يُصِر ويقول له: أنا اعتدت أن أعطي مبلغًا كهدية للمسئول عن المناقصات عندما أحصل على أي مشروع من أي مكتب استشاري.
فهل هي هدية ويقبلها زوجي؟ أم تعتبر رشوة وعليه رفضها؟ وهل إذا أعطاه أحد هدية ساعة أو غيرها- شيئًا غير المال- عليه تسليمها للمكتب أيضًا؟ وإذا أعطاه أحد مالًا كهدية، ولكنه قابل زوجي خارج المكتب وقال له: هذا المبلغ هدية خاصة لك أنت. أيضًا يُسلِّم هذا المال للمكتب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الرشوة هي دفع المال من مُبْطِل ليحصل على حق غيره، أو من مُحِق ليحصل على حقه، وتوجيه الأولى واضح، أما توجيه الثانية فلأن الأصل أن يحصل صاحب الحق على حقه، ولا يحتاج في الحصول عليه إلى بذل مال أو شفاعة أو غيره، ولا يظهر في هذه الصورة شيء من ذلك، فإن هذا المال قد بذل بعد استقرار العطاءات ورسُوِّ المزادات، ولم يكن له دخل في توجيه عطاء أو رسو مزاد، إلا إذا كان ذريعة في المستقبل تحمل المسئول عن المناقصات على أن يجعل العطاء يرسو على من تعوَّد أن يقدم له الهدايا والهبات.
ودفعًا لهذه الشبهة فإن الشريك المدير على علم بذلك وعلى مشاركة فيما يُبذَل من عطاءات، والأصل أن هذا المنع مقرر لمصلحة الملاك، فإذا أجازوه فقد أجيز وقضي الأمر، إلا إذا كان هذا الشريك المدير يستأثر بهذه الهدية دون بقية الشركاء، فعليه أن يذكر أن هذا المال للشركة، وليس خالصًا له من دون المشاركين، إلا إذا أجازوه لهم بدورهم، فإن الله جل وعلا ثالث الشريكين ما لم يخُن أحدُهما صاحبَه، فإن خان أحدهما صاحبه خرج من بينهما وجاء الشيطان.
ولا يصلح لزوجك وقد اشترط عليه المدير الشريك أن يجعل للمكتب نصيبًا في هذه العطاءات أن يستأثر بها وحده؛ سواء أقُدِّمت له في داخل المكتب أم قُدمت في خارجه، وإن كان المقدَّمُ هديةً يسيرة فخير له أن يعلم بها الشريك المدير كذلك، والمتوقَّع من مثله أن لا تتشوَّف نفسه إلى المشاركة فيها، زادكم الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.