كنت أعملُ بإحدى شركات الاتصالات ولكن للأسف كان صاحب الشركة يعمل في الخطوطِ المسروقة، ولم أكن أعلم في بداية الأمر، وعندما علمت وفكرت في ترك العمل لم يكن عندي بديلٌ، وأدَّيت عملي كما ينبغي وراعَيْت الله في عملي قدرَ استطاعتي، وهو في المقابل قام بنقص جزء من راتبي علاوةً على أن الراتب كان ضعيفًا بالنِّسْبة للوقت؛ ولأنني كنت أقوم بأغلب العمل بمفردي، وزاد لي في مدَّة وقْتِ العمل، وراودني الشَّيطانُ في أخذ حقِّي من ورائه، ولكنني صبَرْت.
وسافر هو وتركني أعمل وحدي، وزاد العمل علي وزاد جهدي، وألغيت إجازتي الأسبوعية، كلُّ ذلك دونَ مقابلٍ وراعيْتُ اللهَ في عملي وعندما حان وقتُ صرفِ راتبي اتصلت به وطلبْتُ منه أخذ راتبي، وقال لي: انتظر حتى أعود، وعندما حاولت إقناعه بحاجتي له أصرَّ على انتظارِه حتى يعود، وهنا نفسي الأمارة بالسوء سوَّلت لي أخذ ما رأيتُه حقِّي من ماله مع العلم أنني والله ما كنت أخذت منه أيَّ مال مِن قبلُ.
وعندما عاد استمر في نقصان راتبي وكلَّما زاد ظلمه لي زاد أخذي لماله حتى كبر المبلغ، وتركت العمل معه، وتحولت نفسي الأمارة إلى النفس اللَّوامة حتى إنني أخشى ألَّا يقبل اللهُ عباداتي لأني أعلم أن اللهَ لا يُسامح في حقوق النَّاس، وكلَّما عزمت على سدادِه لا أستطيع لكبر المبلغ، ولضيق حالي، وخشيتُ من استسماحِه خوفًا من المشاكل.
وعملت بأعمال أخرى، وحدثت لي مشاكل وخسارات مالية كثيرة حتى إنني تصورت أن ذلك عقوبة من الله لي، وسؤالي:
1- هل ما فعلته حرام؟
2- هل أموالي التي أكتسبها الآن يدخل فيها هذا المال الحرام؟
3- إن كان حرامًا كيف أتطهر منه وكيف أقدره؛ لأنني لا أعرف القيمة الصَّحيحة له؟ وهل هناك كفارة لذلك؟
4- هل ما حدث لي من خسارات يُعد عقوبة لي ويرفع عني إثم ذلك؟
5- كيف أتخلَّص من هذا الذَّنْب وأنا لا أستطيع السدادَ؟
6- هل هذا المال من قبيل الدَّين الذي لا يستثنى منه حتى الشهيد؟
7- هل ظلْمُه لي لا يُكَفِّر الله به عني.
أنا شديدُ النَّدم. وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد كان عليك أن تغضب لله عز و جل ويكون لك موقف عندما علمت بتجارته في الخطوط المسروقة، وهَبْ أنك ترخَّصْتَ بسبب حاجَتِك إلى العمل وعدم وجود البديل فإن هذه الضَّرورة أو الحاجة كان ينبغي أن تقدر بقدرها وأن تفارق هذا العمل بمجرَّد قدرتك على إعاشة نفسِك وتدبير أمورك، ولكنك غضبْتَ لراتبك عندما انتقص، ولم تغضب لحدود الله عندما انتهكت! فجاءت النتيجة على النَّحْو الذي وصفتَ.
أما من حيثُ المالُ الذي أخذتَه: فإن كان الظُّلم الذي وقَعَ عليك بيِّنًا لا يختلف فيه ولا يختلف عليه، وكان الحق الذي ترتَّب لك في ذمَّته بيِّنًا لا يختلف فيه ولا يختلف عليه، وعجزت عن استيفاء حقك بالسبل المعتادة، وأخذت من ماله ما يساوي حقَّك فقط غيرَ باغٍ ولا عادٍ- فأرجو أن تكونَ في دائرة السعة، ولا تثريب عليك في ذلك. أما إذا كنت قد أخذْتَ ما يزيد على حقِّك، أو كان الحق غائمًا غيرَ محدَّدِ المعالم فهنا يدِقُّ الأمر، وتكون المشكلة، فاكتب لنا بموقفك بالضبط نجِبْك في حدود حالتك.
أما ظلمه لك فسيوقف بين يدي ربه ويسأل عنه! وستوضع حسنات كل منكما في كفة ومظالمه وسيئاته في الكفة الأخرى، ولا يظلم ربك أحدًا!! واللهُ تعالى أعلى وأعلم.