حضرات العلماء الأفاضل في مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:
فأتقدم لكم بطلب فتوى بشأن موقف أواجهه في مسيس الحاجة للرد العاجل، أنا شابة مسلمة نشأت وترعرعت هنا في أمريكا منذ أن كنت طفلة رضيعة. ونشأت في بيئة محافظة وفي أسرة تتمسك بشدة بالممارسات الإسلامية ولله الحمد. وكانت والدتي تعلمني القرآن الكريم واللغة العربية والعلوم الإسلامية منذ صغري.
أنا حاليًّا في بداية العشرينيات من عمري، وتخرجت في جامعة عريقة ومرموقة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ولله الحمد والمنِّة. وأنا أرتدي الحجاب منذ صِغري وكنت أرتديه أثناءَ عملي كنصف دوام في الكلية التي درست فيها. ولم أواجه أي مشكلات ولله الحمد في ذلك.
الآن ظهرت لي فرصة عمل جيد في وظيفة باحثة حيث ستكون المشرفة على عملي امرأة، وزميلتي في العمل البحثي امرأة كذلك، ومديرة القسم امرأة أيضًا. وقد قابلتهن جميعًا في المقابلة العملية فهن ودودات ومحترمات وباحثات متخصصات.
لقد زوَّدت والدي بكل التفاصيل عن عملي هذا بما في ذلك توصيف الوظيفة وبالمواد المطبوعة عن الشركة حتى يتمكن من التعرف عليها جيدًا، وكذلك زوَّدته بأسماء النساء الثلاث اللائي سأعمل معهن. إن العمل في هذه الوظيفة قاصر كليًّا على البحث وكتابة البحوث وليس هناك أي متطلبات سفر أو انتقال يتطلبه العمل هناك، ولا يوجد إطلاقًا أي احتكاك مع عملاء أو زبائن أو مراجعين. فالعمل يتركز فقط على البحوث وكتابتها وإنشاء قواعد بيانات للاحتفاظ بها وتخزينها للشركة.
لقد شرحت كل ذلك لوالدي وطلبت منه أن يطلع على متطلبات ومعطيات الوظيفة وطبيعة العمل فيها وأن يزودني برأيه خلال أيام، ففعل ذلك.
لقد حاولت أن أقوم بالعمل الصحيح بأن أطلب الإذن من والدي وأن أزوده بكل المعلومات وأن أشرح له طبيعة العمل في هذه الوظيفة. ولكن والدي قسا عليَّ وقال لي إنه لا يريدني أن أعمل وأصرَّ على أن تلك قضية يمكنني مناقشتها فقط مع زوجي المستقبلي عندما أتزوج. وهو لم يقل صراحة «لا تعملي في هذه الوظيفة» أو «لا، أنا لا أسمح بذلك» ولكنه لم يوافق ولم يعطني إذنًا صريحًا.
ولمعلوماتكم، فإن أسرتي تعاني من ضائقات مالية كثيرة مما يصعب عليَّ وعلى أخواتي الزواج، ففي السابق منع والدي أختي الكبرى من الزواج من أحد المسلمين الجيدين العديدين الذين تقدموا لخطبتها، وعندما حاولنا أن نحل هذه المشكلة بسؤال أحد المشايخ قام بتهديدنا وبمقاطعتنا وعدم التحدث إلينا. إنه لا يقوم بأي محاولات لتحسين أوضاعنا المعيشية، ولا حتى يساعدنا على الزواج ولا حتى يوافق على أن نعمل. لقد اقترض مني بعض المال في السابق وحتى الآن لم يسدده لي. وهو لا يفي أبدًا بمطالبنا وحاجاتنا المالية، مما دفعنا إلى أن نعتمد على أنفسنا، حتى بالرغم من أن هذه هي مسئوليته.
إنه يحدُّ من قدراتنا على الخروج وزيارة الصديقات المسلمات الأخريات، بل حتى أقاربنا، ولا يسمح لنا بحضور الندوات والمحاضرات في المساجد، أو حتى تكون لنا حياة اجتماعية عادية. كلنا نعتقد أو نشك في أنه مصاب بالاكتئاب ولكنه يرفض بإصرار على أن يذهب إلى أخصائي أسري أو شيخ أو طبيب، بل يصر على أن الناس الآخرين يأتون إليه لطلب المساعدة، فكيف يذهب هو إلى الناس الآخرين لطلب المساعدة؟!
لقد عشنا في هذه البلاد طوال حياتنا. ولقد درست بنجاح تام ولله الحمد والمنة، وكنت أعمل نصف دوام في الماضي بنجاح تام أيضًا، وأنا شخصيًّا أفهم أن هذه الوظيفة التي سنحت لي فرصتها حاليًّا هي عمل حلال وهي وظيفة مهنية ومحترمة، مما سيساعدني وأسرتي كذلك كثيرًا.
إنني أرغب في العمل في هذه الوظيفة وأود أيضًا أن أعمل ما هو حلال وما يرضي الله تعالى مما يجعل في كل عمل أقوم به بركة وخيرًا كثيرًا بإذن الله تعالى. أعتقد أن عدم رغبة والدي في تدبر أمر فرصة العمل هذه غير معقولة. ولكنني عجزت عن إقناعه. لقد حاولت التكلم معه ومناقشة الأمر معه ولكننا لم نتوصل إلى أي شيء. فقمت بكتابة رسالة له وطلبت منه مرارًا وتكرارًا أن يسامحني كابنة له وأن يساعدني في أن أعمل ما هو صحيح لي ولأسرتي ولكنه لم يرد على رسالتي بل لم يقر بأنه تسلمها أصلًا، حتى رغم أننا نعيش تحت سقف واحد.
أمامي فقط بضعة أيام قليلة للذهاب إلى مقر العمل والبدء في استلام مهام وظيفتي، إنني قلقة ومتوترة للغاية، فبعد صلاة الاستخارة التي قمت بها عدة مرات حتى قبل المقابلة العملية وإلى الآن فأنا لا أزال أشعر بأنها وظيفة حلال وطيبة ونظيفة وأنه لا ينبغي لي إهدارها. أعتقد أن هذه الفرصة هي استجابة من الله تعالى لدعائي بأن يمنَّ عليَّ بعمل حلال وطيب وطاهر. وأنا الآن أواجه هذا الموقف أمام والدي. إنني أتفهم قلقه عليَّ كابنة له، ولكن الحقيقة هي أنني إنسانة مسئولة ومتعلمة، وأعمل بأقصى استطاعتي أن أكون مسلمةً تقيم أمورَ دينها عمليًّا. فأنا أرتدي الحجاب ولا أختلط بالرجال ولا أخرج إلى أي مكان أريده كما تفعل الفتيات المسلمات الأخريات، فوالداي يعلمان بأي مكان أذهب إليه. وحيث إنني لا أملك سيارة بل أعتمد على والدي في كل تنقلاتي، فهو الذي سيقوم بتوصيلي للعمل والعودة بي للمنزل، تمامًا كما كان يفعل لسنوات عديدة عندما كنت طالبة بالجامعة.
هل هناك أي شيء آخر يمكنني القيام به كمسلمة لأفعل ما هو الصحيح؟
فبم تنصحونني في هذا الموقف؟ جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
جزاك الله خيرًا على صبرك وبرِّك بأبيك أيتها الأخت الكريمة، وإنني لأرجو الله تعالى أن يعقب صبرك هذا خيرًا وأن يجعلَ لك من ضيقك فرجًا ومخرجًا اللهم آمين، لا نملك إلا أن نقول لك: استمري في محاولات إقناع الوالد، واستعيني على ذلك بالضراعة إلى الله جل وعلا أن يشرحَ صدرَه لتفهم موقفك، ثم استعيني عليه بعد ذلك بمَن تظنينه قريبًا إلى قلبه وأثيرًا إلى نفسه لعله أن ينجحَ في إقناعه وتغيير موقفه، ومن جانبنا ندعو الله لك بالتوفيق والسداد، وأن يجزل لك المثوبة في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، اللهم آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
رفض الوظيفة بدون أي مبررات
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 01 البيع