علماءنا الكرام والأفاضل والأحبة، رزقكم اللهُ الفوزَ بالجَنَّة والنَّجاة من النَّار وحشركم مع الأنبياء والصَّالحين والصديقين والشهداء يوم يُبعثون وإلى ربِّهم يحشرون.
قد منَّ الله عليَّ بالعلم في أحد المجالات التي كثرت فيها الاختلافات، وهو علم خاص بعالم البورصات وتفسير تحركاته، وقد حادثتُ نفسي كثيرًا بين كَتْمه وبين إخراجه ليُستفاد منه.
فسؤالي هو: بما أن هناك أسهمًا محرَّمة قطعيًّا بما لا يسمح بالجدل في تحريمها، كبعض الأسهم الأمريكيَّة- على سبيل المثال لا الحصر- التي يكون نشاطها الأصلي محرَّمًا، وما تقوم عليه هذه الشَّركات هو الاستثمار في لحوم الخنازير وبيع الخمور وأخذ فوائد على المبالغ المقترضة بشكلٍ مباشر، وغيرها من شركات أو مؤشرات محرَّمة، وما أُحيطكم به أنني طبَّقت هذا العلم بها فنجح معي التَّطبيق بفضل الله وعلى كثيرٍ من الأسهم وغيرها، ولكنني لم أستثمر بها ولكن طبَّقت من باب التَّجربة فقط، وعلى كثيرٍ من الأسهم والمؤشَّرات والعملات، المباح منها والـمحرَّم في كثيرٍ من البورصات.
فهل يجوز لي كتمانُ العلم بناءً على مثالِ بائع العنب الذي لا يجوز له بيع العنب لشخصٍ يعلم أنه سيصنع به خمرًا، مع أنه في حال نَشْر العلم به سيتمُّ استخدامه- ولو من شخصٍ واحدٍ فقط- فيما حرَّم الله، وأكون بذلك قد أعنته على معصية الله، فالنَّفس أمارة بالسُّوء، وخصوصًا في مجال المال.
وهل يشملني هذا الحديث الكريم في هذه الحالة، أم أنني استثناءٌ ولي عذر، وهو حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ ﷺ قال: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»(1).
وبارك اللهُ فيكم، وجزاكم اللهُ الخير حتى ترضَوْا على ما تقومون به لخدمة الإسلام والمسلمين، وزادكم من عِلْمه وفضله، ورزقكم الفردوس الأعلى والتَّمتُّع بمعاشرة الحُور العين في جنات عليين، وجعلكم من المقرَّبين، ورزقكم رِضا ملك الملوك وفاطر السموات والأراضين السبع، ونحن وجميع المسلمين.
________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/263) حديث (7561)، وأبو داود في كتاب «العلم» باب «كراهية منع العلم» حديث (3658)، والترمذي في كتاب «العلم» باب «ما جاء في كتمان العلم» حديث (2649)، وابن ماجه في «المقدمة» باب «من سئل عن علم فكتمه» حديث (266)، والحاكم في «مستدركه» (1/181) حديث (344)، من حديث أبي هريرة ، وقال الترمذي: «حديث حسن»، وقال الحاكم: «هذا حديث تداوله الناس بأسانيد كثيرة تجمع ويذاكر بها، وهذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3658)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد نهتِ الشَّريعة عن كلِّ ما يُمثِّل إعانةً على معصية من قولٍ أو فعل أو عقد أو تصرُّف؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
فلا يجوز بيعُ العنب لمن يعصره خمرًا، ولا يجوز بيع النُّحاس لمن يتَّخذه ناقوسًا، ولا الخشبُ لمن يتَّخذه صليبًا ونحوه، فما يغلب على ظنِّك أنه يُمثِّل إعانةً على معصيةٍ في الأعمِّ الأغلب من استعماله فالحزم تجنُّبه، ولا علاقة لهذا بحديث «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ»؛ فإن هذا موردُه في العلم النَّافع الذي لا يغلب على الظَّنِّ تسخيره في معصية الله عز و جل ، حتى لا نضرب ببعض كلام النبوة بعضه الآخر.
ونسأل اللهَ لنا ولك التَّوفيق. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.